مختلف الروايات في القرآن الكريم

قراءات القرآن واختلافها حسب الروايات والأسانيد

للقرآن الكريم منهج يهتم بالتلاوة والترتيل وفق قواعد مضبوطة ومحكمة يطلق عليها علم القراءات. والمعروف عن هذا العلم تفرعه إلى عدة روايات ومذاهب تختلف عن بعضها البعض من حيث مخارج الحروف ونطق هيئاتها مع اتفاق الروايات والطرق المأخوذة عنها. ويعتبر الإسناد المتواتر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أصل هذه القراءات وجوهرها. لذلك يشترط في المقرئ المتمكن أن يكون عارفا بقواعد القراءات التي رُوِيت مشافهة وأن يتلقاها عن أهلها إلى أن يبلغ النبي الكريم.

ولكي لا تُستحدثَ قراءات جديدة لا أصل لها، اتفق العلماء على وضع ضوابط وأحكام لهذا الغرض تشترط في القراءة الصحيحة أن تتوافق مع اللغة العربية ولو بوجه من وجوه النحو مختلَفٌ فيه اختلافا لا يضر مثله. وأن توافق رسم أحد المصاحف ولو احتمالا لأن رسم المصحف له أصول خاصة تسمح بقراءته على أكثر من وجه كقراءة {ملك يوم الدين} بدون ألف لأنها رُسمت {ملك} في جميع المصاحف، أو قراءتها {مالك} تقديرا لأن الألف حُذف من الخط اختصارا. وأن يتواتر سندها وهو معرفة جهة راويها وجهة غيره ممن يبلغ عددهم التواتر في كل طبقة.

وهناك ستة أسانيد يعتمد عليها العلماء لتقسيم القراءات، أولها المتواتر أي ما نقله عدد كبير من الرواة بدقة يستحيل معها تواطؤهم على الكذب. وثانيها المشهور وهو ما ثبت سنده ولم يتعارض مع رسم القرآن ولا اللغة العربية مع اشتهاره عند القراء وخلوه من الغلط والشذوذ والإنكار. وثالثها الآحاد وهو ما ثبت سنده ولم يطابق رسم القرآن أو اللغة العربية. ورابعها الشاذ وهو ما لم يثبت سنده رغم موافقته لرسم الصحف وللغة العربية. وخامسها الموضوع وهو الذي فيه اختلاق وكذب، وسادسها ما يشبه المدرج من أنواع الحديث، وهو ما زيد في القراءة على وجه التفسير. وبناء على ذلك، يجيز العلماء القراءة بالسندين الأوَّلَيْن، ويُحرِّمون القراءة بالأسانيد الأربعة الأخيرة.

واعتمادا على السنديْن المتواتر والمشهور، وضع العلماء ما يسمى بالقراءات السبع معتمدين في ذلك على ضوابط عالية ومشدَّدة. وتنسب هذه القراءات إلى أئمة ثبتت أمانتهم العلمية وخبرتهم الطويلة في الإقراء والتلقي، وهم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني، المتوفى سنة (169هـ)، وعبد الله بن كثير الداري المكي المتوفى سنة (120 هـ)، وأبو عمرو بن العلاء البصري المتوفى سنة (154هـ)، وعبد الله بن عامر اليحصبي الشامي المتوفى سنة (118هـ)، وعاصم بن أبي النجود الأسدي الكوفي المتوفى سنة (127هـ)، وحمزة بن حبيب الزيات الكوفي المتوفى سنة (156 هـ)، وأبو الحسن علي بن حمزة الكسائي النحوي الكوفي المتوفى سنة (189هـ).

ولكل قارئ من هؤلاء راويان يرويان عنه، فيروي عن نافع المدني قالون وورش، ويروي عن المكي قنبل والبزي، ويروي عن الشامي هشام وابن ذكوان، ويروي عن عاصم حفص وشعبة، ويروي عن البصري الدوري البصري والسوسي، ويروي عن حمزة خلف وخلاد، ويروي عن الكسائي الدوري الكسائي وأبى الحارث. وقد تواصل الاجتهاد العلمي في القراءات المتواترة فأضيفت ثلاث قراءات إلى قراءات القرآن الكريم السبع الأولى هي قراءات الإمام أبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني المتوفى سنة (130هـ)، ويعقوب بن اسحاق الحضرمي الكوفي المتوفى سنة (205هـ)، وخلَف بن هشام المتوفى سنة (229 هـ). لتصبح القراءات المتعارف عليها عشر قراءات متواترات.

z