الحكمة من تحريم الخمر: لماذا حرم الله الخمر ؟
من المعلوم في الإسلام أن الله سبحانه وتعالى لا يُحرِّم على الناس شيئا إلا لمصلحتهم في الدنيا والآخرة. وتحريم الخمر لا يَحيد عن هذه القاعدة. فقد كان تناوله من الأمور الشائعة أيام الجاهلية إلى أن جاء الإسلام فحرّمه بشكل تدريجي رأفةً بالناس ورحمةً بهم. وقد كان الناس يعتقدون آنذاك أن تحريمه راجع لكونه مُسكِرا يذهب العقل ويؤثر في العلاقة بين شاربه ومن حوله سلبا، لكن الأبحاث العلمية المعاصرة أظهرت أن تأثيرات شرب الخمر وعواقبه أعمق من ذلك، حيث تمتد لتشمل مخاطر صحية تؤثر في سلامة الجسم والعقل معاً.
وقبل الخوض في الحكمة من تحريم الخمر، نستعرض أدلة تحريمها. ففي القرآن الكريم، جاء تحريم الخمر في قوله الله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون]. ففي هذه الآية قرن الله الخمر بالأنصاب والأزلام وجعلها مساوية للشرك، ووصفها بالرجس الذي لم يُطلق في القرآن إلا على الأوثان ولحم الخنزير وهي من المحرمات، ثم أمر باجتنابها وقرن ذلك بتحصيل الفلَاح. أما من السُّنة فقد وردت في تحريم الخمر أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم عن ابن عمر أن النبي الكريم قال: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام). وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي الكريم قال: (لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن).
ولم يأت هذا التحريم اعتباطا بل لحكمة إلهية تراعي مصلحة العبد في الدنيا والآخرة. ومن مقتضيات هذه الحكمة أن الإسلام جاء بشريعة ترى أن ما كان نافعاً أو غلب نفعه فهو حلال، وما كان ضاراً أو غلب ضرره فهو حرام. والخمر بلا شك من الأشياء التي تضر أكثر مما تنفع مصداقا لقوله تعالى: [يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما]. ومن أضرار الخمر ومفاسدها أنها رجس من عمل الشيطان، وسبب لوقوع العداوة والبغضاء بين الناس، وأداة للصد عن ذكر الله وعن الصلاة.
وبالإضافة إلى ذلك، أظهرت الأبحاث العلمية الحديثة أن للخمر أضرارا تصيب عددا من أعضاء الجسم فتؤذيها. ومن ذلك، تأثيرها السلبي على الجهاز الهضمي حيث تؤدي إلى تمدد المعدة وارتخاءها، وتتسبب في انتفاخ البطن، ويكون شاربها عرضةً للإصابة بالتشمع الكبدي. وعلى صعيد الجهاز الدموي، يؤدي شرب الخمر إلى ارتفاع نسبة الكحول في الدم، وتصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع خطر الإصابة بالذبحة الصدرية. كما يتسبب شرب الخمر والإدمان عليها في أمراض أخرى تصيب غدة البروستانا، والكليتين، والجهاز العصبي.
وبعيدا عن تأثيراتها المرضية، يتسبب شرب الخمر والإدمان عليها في بروز ظواهر اجتماعية خطيرة كالاعتداءات الجنسية، وجرائم العنف كالقتل والسرقة، إضافة إلى ازدياد عدد حوادث السير وما ينتج عنها من قتلى وجرحى وخسائر مادية فادحة. لهذه الأسباب وغيرها، حرَّم الله تعالى الخمر وأمرنا باجتنابها، فهل نحن منتهون؟