الشعوذة، فكر خرافي يخالف عقيدة التوحيد
الشعوذة لغةً، الاحتيالُ والخداعُ وإيهامُ الناس بأشياء غير حقيقية على أنها حقيقة، ويعود أصل الكلمة إلى الفعل شَعوَذَ يُشَعْوِذُ ومعناه أوهمَ الناس أن ما يقوم به حق وهو في الحقيقة باطل. أما اصطلاحا فالشعوذة نوع من أنواع السحر الأسود، وهي عبارة عن مجموعة من الأفعال يأتيها مشعوذون ودجالون هدفهم إيذاء الناس والنصب عليهم. وتقوم الشعوذة على مبدإ الاحتيال والخداع بحركات خفيفة وأخبار غيبية لطيفة، يصرفون بها الأنظار ويكسبون بها ثقة الناس فيحتالون عليهم بطرق سحرية وعزائم شيطانية، مستعينين في ذلك بالجن وبألفاظ غريبة ممزوجة بشيء من الذكر والدعاء في أولها أو آخرها، فيظهرون للعيان أنهم من الصالحين وهم في الواقع عكس كذلك.
حكم الشرع في الشعوذة
بما أن الشعوذة نوع من السحر، وبما أن المشعوذين يتكلمون رجمًا بالغيب أو يستحضرون الجن ليستعينوا بهم في أفعالهم وأقوالهم، يرى أهل العلم أنهم في عِداد الكفر إذا ادَّعَوْا علمَ الغيب، وفي عِداد الضلال إذا احتالوا على الناس دون ادعاء علم الغيب. ويستشهدون في هذا الحُكم على عدد من الأحاديث النبوية. فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي الكريم قال: (من أتى عرافًا فسأله عن شيء، لم تُقبَل له صلاة أربعين يومًا). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي الكريم قال: (من أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد).
مظاهر الشعوذة
للشعوذة أشكال كثيرة ومظاهر متعددة. وبالتأمل في مجتمعاتنا الإسلامية للأسف، نلاحظ وجود طائفة من المشعوذين يَدَّعُون علم الغيب، ويستخدمون ادعاءهم هذا في إيهام الناس بقدرتهم على تغيير أقدارهم بتيسير سبل الرزق مثلا، أو تسريع الزواج، أو تحقيق النجاح وما شابه ذلك من الأماني التي لا تتحقق في الواقع إلا بالأسباب الشرعية والعلمية والعمَلية. ومن المشعوذين من يدَّعي استخدام السحر لعلاج مرضٍ معين، أو حل مشكلة مستعصية، أو إلحاق الأذى بشخص ما. ومنهم من يقوم بصناعة التمائم والأحجبة وإيهام الناس بقدرتها على جلب المنافع ودفع الشرور. ومن مظاهر الشعوذة كذلك، ادعاء الصلاح والولاية، والنظر في النجوم، والتوسل بالأضرحة.
أسباب انتشار الشعوذة
من الأسباب التي ساهمت في انتشار الشعوذة، اعتقاد الناس بالفكر الخرافي، وابتعادهم عن هدي الرسالة المحمدية، وضعف إيمانهم بالله، وعدم رسوخ العقيدة الإسلامية في نفوسهم وقلوبهم. ولعل أكثر الناس لجوءا للشعوذة والمشعوذين أولئك الذين تمكنت الخرافة من قلوبهم، وتسللت الأوهام إلى عقولهم، لدرجة التصديق بقدرة البشر على معرفة الغيب، مخالفين بذلك قول الله تعالى في كتابه العزيز: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيبَ إلا الله}. وبالإضافة إلى ضعف الإيمان، يضيف علماء النفس أسبابا أخرى لانتشار الشعوذة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، قلة الصبر، وانعدام السيطرة على النفس، والرغبة في حل المشاكل المعقدة بأسهل وأسرع طريقة ممكنة.
نتائج الشعوذة وأضرارها
للشعوذة نتائج وخيمة وأضرار جسيمة ليس على الفرد فحسب، بل على المجتمع بصفة عامة. فعلى صعيد الفرد، تساهم الشعوذة في زرع بذور الشرك بالله سبحانه وتعالى، وزعزعة الإيمان بالقضاء والقدر، وإفقاد الفرد السيطرة على العقل وعدم إعماله في حل المشاكل، وترسيخ أفكار خاطئة في نفوس ضعاف النفوس وإيهامهم أن المشعوذ ليس سوى وسيط خير بين العبد وربه. وعلى صعيد المجتمع، تساهم الشعوذة في ترسيخ ثقافة الجهل، وتعزيز الفكر الخرافي، الأمر الذي يؤدي إلى تفكك العلاقات بين الناس وتأخر المجتمع، ومن نتائجها كذلك، اختلاط الحلال بالحرام، واستغلال هذه الظاهرة للمتاجرة في مآسي الناس ومعاناتهم من خلال النصب عليهم وجَرِّهِم إلى مستنقعات الشِّرك والكفر والضلال.