أمة اقرأ لا تقرأ
سُئل ڤولتير يوما، من سيقود الجنس البشري؟ فأجاب واثقا: الذين يعرفون كيف يقرؤون. وفي جوابه هذا إشارة واضحة وتأكيد صريح على أهمية القراءة في حياة الفرد والمجتمع. وقد كانت القراءة ولا تزال واحدة من أهم وأنجع الوسائل العلمية والمعرفية. فبفضلها ينفتح الإنسان على عوالم جديدة، فيطلع على أفكار الآخرين ومعتقداتهم، ويتأمل في آراءهم وقصصهم، ويكتسب من حيث لا يدري آليات جديدة تساعده على فهم نفسه والعالم من حوله. ومما ترويه لنا كتب التاريخ أن الفراعنة كتبوا على باب أول مكتبة لهم: (هنا غذاء النفوس وطب العقول).
وتأكيدا لهذا الشعار، حرصت الأمم المتقدمة - ولا تزال - على نشر ثقافة القراءة بين مختلف شرائح المجتمع، فأسست دور النشر والمكتبات، وبنت المدارس والجامعات، وشجعت التعليم في صفوف الأبناء والآباء والأمهات، وفوق هذا وذاك، سهلت أسباب الولوج إلى العلم والقراءة متحدية بذلك كل المشاكل والعقبات. ونتيجة لذلك، ازدهرت العلوم والمعارف عندها، فتخرج منها علماء وفلاسفة ومفكرون معاصرون استغلوا المنجزات الفكرية التي أنتجها المسلمون والإغريق في عز نهضتهم، فقرؤوها بإمعان، واستنبطوا منها ما يفيدهم للمضي قدما نحو التقدم العلمي والرقي التكنولوجي.
والمتأمل لحال المسلمين مع القراءة في عصرنا الحالي لا يمكن إلا أن يشعر بالحيرة ويتملكه الاستغراب، فبعدما كان المسلمون بشكل عام والعرب بشكل خاص من أكثر الشعوب قراءة وإنتاجا فكريا في أوج عزهم وعطائهم، تطالعنا الإحصائيات المحلية والدولية اليوم بأرقام مخجلة مفادها أن أمة إقرأ لا تقرأ. وفي هذا الصدد، أظهرت دراسة أنحزتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) سنة 2014 أن حصة كل مليون عربي من القراءة لا تتجاوز ثلاثين كتابا، مقابل 854 كتابا لكل مليون أوروبي، وأن ما يقرؤه العربي هو ربع صفحةٍ في السنة، مقابل 11 كتابا في السنة للفرد الأمريكي.
وفي ظل هذا الوضع، نتساءل بألمٍ وحرقة عن أسباب هجرنا للكتاب وابتعادنا عن القراءة رغم تأكيد ديننا الإسلامي على أهميتها. فأول أمر إلهي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم هو قوله تعالى: [اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعْلَم]، وفي ذلك تأكيد على أهمية القراءة وارتباطها الوثيق بتحصيل العلم والمعرفة. وفي السنة النبوية، نجد أن النبي الكريم كان يولي القراءة اهتماما بالغا لدرجة أنه كان يطلب من الأسرى الذين يريدون فداء أنفسهم أن يُعلِّموا عشرة من المسلمين القراءة والكتابة. وفي ذلك إشارة إلى قيمة القراءة كحاجة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها. فهل نحن معتبُرون؟