مع الصحابة في رمضان
لأن الاقتداء بالأخيار من الأمور التي حث عليها ديننا الحنيف، ولأننا في شهر الرحمة والغفران، يسابق المسلمون بعضهم البعض في الخيرات، ويسارعون إلى السير على هَدي من سبقهم من الصالحين سعيا للأجر ورغبةً في الحسنات. ومن الذين وجب السير على نهجهم والاهتداء بهديهم، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين تتلمذوا على يد رسول الله فتعلموا منه رُقي الإيمان، ورفيع الإحسان وجميل الصبر في كل الظروف والأزمان. وقد كان دأبهم افي العبادة عظيما، وهمتهم في الطاعة عالية، حتى إنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يُبلِّغهم رمضان، ثم يدعونه ستةً أخرى أن يتقبله منهم.
ومن هدي الصحابة في رمضان، اعتناؤهم بالقرآن الكريم وتلاوته في البيوت والمساجد بخشوع وتدبر، ومنهم من كان يتخلى عن مخالطة الناس ويترك مجالس العلم فيتفرغ لتلاوة القرآن الكريم وتجويده، ومن هؤلاء أنس بن مالك والوليد بن عبد الملك، هذا الأخير كان يختم القرآن كل ثلاثة أيام لينتهي به شهر رمضان وقد ختم القرآن سبعة عشر مرة. ومنهم من كان يقوم بالناس في المسجد كأُبي بن كعب وتميم الداري اللذيْن كانا يُطيلان في قراءة القرآن أثناء التراويح ولا ينصرف المصلون إلى بيوتهم من الخشوع والتدبر حتى ساعة متأخرة من الليل.
ومن دأب الصحابة كذلك، ملازمتهم للمساجد، ومحافظتهم على الصلوات الخمس، واجتهادهم في النوافل، ومن ذلك أن ابن عمر رضي الله عنه كان يصلي التراويح في بيته خلال رمضان، فإذا انصرف الناس من المسجد يأخذ حاجته من الماء ثم يخرج إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمكث فيه حتى يصلي الصبح. وقد كان قيام الليل عند الصحابة أمرا حيويا لا يمنعهم عنه شيء ولا يثنيهم عن إتيانه عائق إلا أن يكون مرضا أو عجزا أو نحوهما من الأعذار الشرعية.
وقد كانوا يصومون النهار وقلوبهم وجلة خوفا ألا يتقبل الله منهم، ويقومون الليل فيناجون الله بما شاؤوا، ويبكون عند بابهم خوفا وطمعا، وقد كان قيامهم لليل على درجات، فمنهم من كان يقوم الليل كله، ومنهم من كان يقوم نصفه، ومنهم من كان يصلي الصبح بوضوء العشاء، ومنهم يقومون شطر الليل.ومنهم من كان يقوم من الليل ثلثه. ولم يكونوا في غالب الأحيان يشعرون بالوقت أو يستعجلون الانتهاء من القيام، بل على العكس من ذلك، كانوا يصلون لله ويذكرونه قياما وقعودا وعلى جنوبهم حتى يغلبهم النوم فينامون من شدة التعب وقوة الإرهاق.
ومن دأب الصحابة كذلك، أنهم كانوا لا يكثرون من الطعام في الإفطار، وكان بعضهم يحب أن يفطر مع المساكين رفقا بحالهم مواساةً لهم، فكان ابن عمر رضي الله عنهما يصوم فلا يفطر إلا مع الفقراء، فإذا حال بينه وبين ذلك أمرٌ، ترك الطعام في تلك الليلة ولم يتعش، وقد كانوا يجتهدون في العشر الأواخر أيَّما اجتهاد، فيغتسلون ويتطيبون ويهجرون كل من شأنه تعكير صفوهم وتشتيت تركيزهم، فيصومون النهار حق صيامه، ويقومون الليل حق قيامه آملين أن يدركوا ليلة القدر المباركة فتلفحَهم نفحاتها الدينية وتغمُرَهم نسماتها الروحية.