إيلان، أو كيف مات الضمير العربي
بشكل عفوي، تداول العالم خلال الأيام الأخيرة صورة صادمة ومفجعة رقَّت لها قلوب وجوارح المواطنين من الشرق والغرب. صورة يظهر فيها الطفل السوري "إيلان كردي" وهو مرمي على أحد الشواطئ التركية جثةً هامدةً بعدما غرق أثناء محاولة والديه الهجرة من جحيم الحرب في سوريا إلى نعيم السلم في أوروبا.
هذه الصورة التي لا يزال طيفها غصة عالقة في حلقي إلى غاية كتابة هذه الأسطر، أَحْيَت بطريقة أو بأخرى "صحوة'' المجتمع الدولي، وخلقت هالة إعلامية ضخمة حول هجرة السوريين أفواجا أفواجا. وفي خضم ذلك، لم تتوقف وسائل الإعلام الغربية عن بث فيديوهات تُظهِر استعداد المواطنين الغربيين لاستقبال اللاجئين السورين، وتبرز تعبئة الحكومات الأوروبية وتضامنها مع أفواج المهاجرين، وبين هذه وتلك، شاهدنا مواطنين غربيين يطالبون بلدانهم بالتصرف الفوري، ورأينا جمعيات مدنية تقوم بجمع التبرعات، واطَّلعنا على فرق رياضية تقدم المساعدات والهبات، ولم نشاهد من الجانب العربي والإسلامي سوى الصمت المطبق.
صحيح أن دولا كلبنان وتركيا والأردن قامت بواجبها واستمرت في القيام به، حيث استقبلت هذه الدول الثلاث وحدها أكبر عدد من المهاجرين السوريين حتى الآن. ولكن ماذا عن الدول العربية والإسلامية الآخرى؟ أين هي دول الخليج وملياراتها؟ أين هم أولئك المسلمون الذين يستثمرون أموالهم في المجمعات السكنية ومراكز التسوق بتبذير لافائدة منه؟ أين هي الدول العربية والإسلامية يا تُرى؟
هل نحن فعلا أحفاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ سأجيب وأقول: قطعاً لا ! فلو حدث وكان النبي الكريم بيننا في هذا العصر لخجل منا ومن تصرفاتنا ! ألم يتعرض صلى الله عليه وسلم رفقة أصحابه لشتى أنواع القهر والاضطهاد من بني جلدته؟ ألم يغادر هو وأصحابه مكة ليستقبلهم الأنصار بأذرع مفتوحة في المدينة؟ ألم يُوصِ النبي صلى الله عليه وسلم خيرا بالمهاجرين وبإيوائهم واحتضانهم؟
ستقولون حتما إن السياق مختلف، ولكن لا وأَلْفُ لا. هؤلاء السوريون إخواننا، اضطهدهم نظام بلدهم فقرروا الهجرة متطلعين لحياة أفضل، كي لا يشاهدوا أطفالهم يقتلون أمام أعينهم صباحَ مساء. فلنستقبلهم إذن عوض تضييع الوقت بانتقاد الغربيين في نقاشات عقيمة تلقي بمسؤولية ما حدث على الآخر كما العادة. لِنتحمل مسؤوليتنا جميعا، ولْنطالب حكوماتنا بالتصرف حُيال هذا الوضع، أو لنتصرف نحن كلٌّ حسب استطاعته كي لا يذهب موت الصغير "إيلان" هباء وسُدىً، وكي يصبح موته عوض ذلك سببا في إنقاذ أرواح أطفال آخرين، فلنتصرف إذن ولنضمن لهم حياة أفضل.