أخلاق المسلم في رمضان
في خِضَمِّ شهر رمضان الكريم، وفي غمرة الصوم والعطش، وإكراهات التعب والظمأ، وتأثيرات هذه الأمور على الحالة الجسدية والمعنوية للمسلم، يفترض بهذا الأخير أن يمارس حياته اليومية بشكل هادئ، وأسلوب مهذب، وطريقة متزنة، يعكس من خلالها قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (الصيام جنة، فإذا أصبح أحدكم يوما صائما فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم).
إني صائم، عبارة تحمل في طياتها معاني روحية عميقة، يجهلها الكثير من الناس في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ويَحِيدُونَ - بعدم تطبيقها - عن طريق الحق وجادة الصواب، فيتحول الامتناع عن الأكل إلى حطب يشعل نيران الغضب العارم والتوتر الجامح، وينقلب الإمساك عن الشرب إلى وقود يُذْكِي نيران التصارعات التافهة والتطاحنات الفارغة، ويصبح الإمساك عن المفطرات سببا للمشاكل والبلايا، وبذلك يفقد التعبد معناه، ويفرغ الصوم من مغزاه، ولا يبقى منه لصاحبه سوى الجوع والعطش.
إني صائم، جملة يرددها الناس في رمضان دون التفكر في مدلولاتها الروحية والتأمل في أبعادها الاجتماعية والإنسانية، فمن حيث الشكل، تعني هذه الجملة أن المسلم صائم وكفى، ومن حيث العمق الدلالي والبعد الرمزي، تعني هذه العبارة أن العبد ليس ممسكا عن شهوات البطن والفرج فحسب، بل على كل ما من شأنه أن يعكر صفو العلاقات الإنسانية، أو يهز عرش القواعد الاجتماعية، أو يدمر مكارم الأخلاق ومحاسن السلوك.
إني صائم، لا يمكن أن يكون قائلها صادقا إلا إذا أيقنها قلبه وطبقتها أفعاله، وإلاَّ فما معنى أن تتحول الكثير من العلاقات الإنسانية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية في نهارات رمضان إلى ساحة للمشاحنات البغيضة والتطاحنات المريضة، وكأن الصوم عبئ نؤديه ضد إرادتنا، وواجب نقوم به رغم أنوفنا، فهذا سائق يشتم إخوانه من مستعملي الطريق بسبب الزحام، وذاك بائع يصرخ في وجه زبناء تفقدوا بضاعته وانصرفوا، وذاك موظف ينهر المواطنين الواقفين على باب مكتبه لأن أعدادهم كثيرة وصبره قليل، والسبب في سلوكات هؤلاء حسب زعمهم؛ أنهم صائمون، فلا وربي ما هكذا يكون الصوم !
إني صائم، كلمتان جميلتان تفرضان على كل مسلم ومسلمة التحلي بالخلق الرشيد، والسلوك الطيب، والتعامل مع الناس بالتي هي أحسن وأقوم، فعندما يتعرض المسلم في رمضان للسب و الشتم ونحوهما، يستحضر على الفور الحكمة الربانية من الصوم، والغاية الروحية من هذه العبادة الجليلة والركن العظيم، فيتحكم في أعصابه ولا ينساق مع ما قد تسوله له نفسه الأمارة بالسوء، وبذلك تتحول ثورة أعصابه إلى سكينة وهدوء، وتصبح رغبته في الرد على السب بالسب، إلى مواجهة للإساءة بالحسنى ولسان حاله يقول: إني صائم، إني صائم.
إني صائم، عبارة إذا صدقتها الأقوال والأفعال، برز الصوم في أبرز حُلَلِه، وظهر الإسلام في أرقى تجلياته، فالصوم ركن من أركان الإسلام، والإسلام دين المعاملة، فكيف يرجو الصائم ثواب ربه ورحمة خالقه، إذا كانت أخلاقه صفر، ومعاملته للناس صفر، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال في الحديث الشريف: (رُبَّ صائم ليس له حظٌّ من صومه إلا الجوع والعطش).