صوم رمضان في فصل الصيف
تتميز السنوات الأخيرة بعدد من البلدان العربية والإسلامية بتزامُن شهر رمضان الكريم مع فصل الصيف، حيث تبلغ درجات الحرارة مستويات قياسية أحيانا، الأمر الذي يجعل من الصيام مسألة صعبةَ التحمل خاصة على كبار السن والنساء الحوامل والمرضعات. فالصيام في فصل الحر والقيظ يعني حرمان الجسم من حاجته اليومية للسوائل من جهة، كما يعني فقدان الجسم لمخزونه من الماء من جهة أخرى بسبب ارتفاع نسبة التعرق والاجتفاف.
ولمواجهة هذا الوضع، يتعين على الصائم في هذا الشهر الكريم العمل بما جاء به الشرع الحنيف من جهة، وبما تنص عليه الإرشادات الطبية والصحية من جهة أخرى، فالدين الإسلامي والطب لا يتعارضان، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح قوله: (ما زالت أمتي بخير ما عجلوا الفطور وأخروا السحور). وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن مسألة تأخير السحور وتعجيل الفطور تقتضي بشكل أو بآخر تقليص فترة الصيام إلى الحد الأدنى الذي يخفف من مشقة الصيام ويخفض من مضاعفاته على الجسم بما في ذلك انخفاض معدل السوائل والاجتفاف.
كما يقتضي نفس الحديث الشريف تمديد فترة الإفطار إلى الحد الأقصى الممكن، لتمكين الصائم من تزويد الجسم بكفايته من الطعام والشراب من جهة، وتعويض ما فقده من مخزون غذائي ومائي خلال فترة الصيام من جهة أخرى. ولا شك أن المسلم أحوج ما يكون إلى التطبيق الفعلي لهذا الحديث النبوي عندما يتزامن شهر رمضان مع فصل الصيف كما هو الحال هذه الأيام. ولابأس من الأخذ بالنصائح الطبية والإرشادات العلمية في هذا الباب أيضا، والتي تنصح في عمومها بالإكثار من شرب الماء و السوائل خلال فترة الإفطار، وتجنب الأطعمة المالحة لأنها تحفز العطش، والابتعاد عن الأنشطة المتعبة والمجهدة خلال الصيام.
ولأن رمضان مدرسة تروض النفوس وتهذب القلوب أولا وأخيرا، ولأن تزامنه مع فصل الصيف يزيده صعوبة ومشقة وعناء، يفترض في المسلم أن يجعل من هذه العوامل دوافع إيجابية وحوافز معنوية لشحذ همته وتقوية عزيمته وتربية نفسه على الصبر والجلَد والتحمل، فالطاعة شاقة تتطلب الجهد والعمل، والجنة غالية لا تُنال بالكسل، وحَسْبُ الصائم ما أعده الله له من أجر، وما هيأه له الخالق من ثواب عظيم وخير عميم في الدنيا والآخرة.
وبما أن الإسلام دين يُسر، ولأن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، فإن تزامُن شهر رمضان الكريم مع فصل الصيف حيث ارتفاع درجات الحرارة، يفرض على عدد من الفئات الاجتماعية كالنساء الحوامل والمرضعات وكبار السن والمرضى أن يستشيروا مع أهل العلم ومع الأطباء حول قدرة أجسامهم على تحمل الصوم والعطش من عدمه، فإذا سُمِح لهؤلاء بالصوم فهو خير لهم، وإن نُصِحوا بالعكس فليمتنعوا وليحتسبوا الأجر والثواب على الله سبحانه ما دامت قلوبهم صافية ونواياهم طيبة.