الدعاء في رمضان
من مميزات الدين الإسلامي الحنيف أنه لا وجود فيه لأي وسيط بين الله والعبد، فإذا ضاقت الدنيا على المسلم ناجى ربه، وإذا حزَبه أمر التجأ إلى خالقه، وإذا أصابته نعمة أو خير تذكَّر صاحب النعم فشكره وحمده، ولعل خير طريقة لتحقيق هذا النوع من التواصل الروحي الدعاءُ، مصداقا لقوله تعالى في سورة البقرة: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}. وتزداد أهمية الدعاء في شهر رمضان الكريم لأن مواطن الدعاء فيه كثيرة ومظانَّ الإجابة فيه متعددة.
وإذا تأملنا في أبعاده اللغوية والدلالية، نكتشف أن الدعاءَ لغةً طلبُ لجلبِ المنفعة وكشفِ الضُّر، واصطلاحا إظهار العبد للافتقار إلى الله سبحانه وتعالى والتبرؤ من الحول والقوة الذَّيْن لا يكونان إلا لله، وهو تعبير عن العبودية في أرقى تجلياتها وانعكاس للضعف البشري والحاجة الإنسانية، كما يحمل الدعاء في طياته أبعادا أخرى تُحيل على الحمد والثناء والاعتراف بأفضال الله اللامتناهية ونِعَمِهِ التي لا تعد ولا تحصى.
والدعاء كما الصلاة والصيام وغيرهما، عبادة من العبادات التي أمر الله تعالى بها، وحث رسولُه الكريم عليها. فهو أصل العبادة، وجوهر الإيمان، وسر الرضى، وهو بلسمٌ يشفي جروح المهمومين ويداويها، ويخفف كروب المحزونين ويواسيها، ومن عظمة الله تعالى أنه لا يرد دعاء المسلم أبدا ما لم يَدْعُ بإثم أو يستعجل، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل). قيل: يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال: (يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أرَ يستجاب لي ! فيستحسر عند ذلك ويدَع الدعاء).
ومن الأسباب التي يجب أن تشجع المسلم إلى الحرص على الدعاء والاعتناء به خلال شهر رمضان الكريم، أن دعوة الصائم لا تُرَدُّ أبدا، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:(ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم...)، وما ذلك إلا لعظمة الصيام من جهة ومكانة الدعاء من جهة أخرى، فهما عبادتان جليلتان تتحقق بهما الإجابة ويكتمل بهما توحيد الله والاستسلام لمشيئته سبحانه وتعالى، ومن أسباب قبول الدعاء كذلك تحري أوقات الإجابة كالدعاء في شهر رمضان عامة وفي ليلة القدر خاصة، وجوف الليل الآخر، وعقب كل صلاة مكتوبة، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول المطر، وساعة من يوم الجمعة.
ولأن الدعاء رابطة روحية بين العبد وربه، فإن الأمر يستوجب من العبد مراعاة المقام والتأدب مع الله تعالى أثناء الدعاء، ومن ذلك الإخلاص لله تعالى وسؤاله وحده دون سواه، ومناداته بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، والدعاء بالخير لا بالإثم أو قطيعة الرحم، وعدم استعجال الإجابة، وحسن الظن بالله تعالى، فإن تأخرت الإجابة فإما لأن الله منع عن المسلم بها شرا، وإما لأنه ادخرها له إلى يوم القيامة وفي ذلك كلِّه خير وبركة.