أحكام الاعتكاف
يُعتبَر الاعتكاف من الشعائر الدينية الهامة في الإسلام، والتي يُستحب للعبد القيام بها خلال شهر رمضان المبارك، فمن خلال هذه العبادة العظيمة يترك المسلم الدنيا وملذاتها، ويبتعد عن الحياة ومباهِجها، وينزوي في ركنٍ من المسجد، ثم يتفرغ لذِكْرِ الله تعالى ومناجاته بما يجول في الخاطر وما يعتصر في القلب، لتتحقق بذلك الصلة مع الله سبحانه، فتسمو الروح في سماء العبادة والطاعة، وترتقي النفس في مراتب العلم والإيمان. والاعتكاف لغةً لُزوم الشيء وحبس النفس عليه، وشرعاً المُقام في المسجد من شخص مخصوص على صفة مخصوصة لفترة زمنية مخصوصة.
هذه الصفات وضع لها أهل العلم قواعد وأحكاما تنظمها، ومن ذلك أن الاعتكاف سُنّة يُثاب فاعلها ولا يُعاقَب تاركها، ويستهشدون على ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ثبت أنه كان يداوم على الاعتكاف تعبدا لله، وتقربا منه سبحانه وتعالى، وهي سُنّة حافظت عليها زوجاته من بعده. وهناك حالة واحدة يتحول بموجبها الاعتكاف من سُنّة إلى واجب، وهذه الحالة هي النذر، فإذا نذر المسلم لله أن يعتكف لأي سبب من الأسباب، وجب عليه الاعتكاف احتراما لنذره ووفاء بدَيْنه.
ومن الناس من يتساءل عن الوقت الشرعي للاعتكاف، وعن ذلك يقول أهل العلم بعدم وجود وقت محدد أو زمن مخصوص لذلك، فالاعتكاف مشروع في كل وقت وحين، لكن هنالك أوقات يُستحسن للمسلم الاعتكاف فيها أكثر من غيرها، وهذه الأوقات هي العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم، وشهر شوال أو بعضه، وهي أوقات كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف فيها. وبخصوص المدة الزمنية التي يُفترض أن يستغرقها المسلم في الاعتكاف، يرى معظم العلماء أن لا حدَّ لها، ومنهم من يقول إنها عشرة أيام، وقد اختلفوا في أقلِّها، بين من يرى أنها يوم واحد، وبين من يرى أكثر من ذلك أو أقل.
وكما للاعتكاف زمن مخصوص، فإن له مكانا مخصوصا أيضا، حيث يُشْرع في المساجد التي تقام فيها الصلاة جماعة، مصداقا لقوله تعالى: {ولاتباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}. وسبب ذلك حسب رأي ابن قدامة أن الجماعة واجبة، واعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يُفضي إلى أحد أمرين: إما ترك الجماعة الواجبة وإما خروجه إليها، فيتكرر ذلك منه كثيراً مع إمكان التحرز منه وذلك مُنافٍ للاعتكاف، إذ هو لُزوم المُعتكف والإقامة على طاعة الله.
ولأن الاعتكاف مرتبط بالمسجد ولأنه يُدخِل المسلم في علاقة روحية مع الخالق، وضع له أهل العلم عددا من الآداب والمستحبات منها التشاغل بالطاعات الأساسية وتجنب الزائد في الأقوال والأفعال، وترك الجدال والسباب والفحش في الكلام، وعدم التضييق على المصلين، وعدم التفكير في مشاغل الدنيا، والتركيز على العبادة، والتقليل من الأكل والشرب كي لا تثقل العبادة على النفس، وعدم الإسراف في النوم، والانشغال بالقرآن والصلاة والدعاء وذكر الله.