تأملات في العُمرة ومكانتها
للعبادات الشعائرية مكانة خاصة في قلوب المسلمين، ولمناسكها الروحية قيمة عظيمة في نفوسهم، لذلك يسعى الكثيرون منهم إلى زيارة مكة المكرمة لأداء العمرة، ويتحرون شوقا لرؤية المشاعر المقدسة والتعبد فيها. ولعل ما يشجعهم على ذلك إيمانهم القوي بالله من جهة، وتعظيمهم لشعائره من جهة أخرى، وكذا ارتفاعُ فرص أدائها مقارنة مع الحج، حيث لا تخضع العمرة لتقييد زمني معين، بل يمكن أداؤها في أي وقت من السنة، مع ما لبعض الأوقات من فضل على أوقات أخرى.
وتختلف أوقات العمرة حسب درجة تفرغ الناس واستطاعتهم. فإذا توفرت للمسلم حرية اختيار وقت أداء العمرة، فإن أحسن ما يمكن فعله هو أداؤها في شهر رمضان الكريم لقول النبي صلى الله عليه في الحديث الصحيح: (عمرةٌ في رمضان تعدل حجة). فإذا تعذَّر أداؤها في رمضان، فإن أفضل ما يمكن فعله هو أداؤها في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة، لأن العمرة التي تؤدى في هذه الأشهر عظيمةُ القدر والمكانة، وقد سماها الله تعالى في القرآن الكريم بالحج الأصغر لتزامنها مع الحج الأكبر. فإذا تعذَّر ذلك تؤدى في الوقت المتاح لكل مسلم، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
ومن المثير للانتباه، أنه ورغم إجماع أهل العلم على عدم فرضية العمرة، ورغم ما يحمله القيام بها من مشقة وجهد وتعب، نجد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها متلهفين لأدائها ولو مرة واحدة في حياتهم، فيبذلون الغالي والنفيس لتوفير مطالب السفر وإكراهاته، وتحضير لوازم الرحلة المقدسة وتكاليفها، لينطلقوا بعدها نحو المشعر الحرام، بلهفة المؤمنين الصادقين، وفرحة العابدين الموقنين، وكلهم أمل في الفوز برحمة الله ونيل مرضاته سبحانه وتعالى.
وليس غريبا أن نجد من المسلمين من اعتمر مرة أو أكثر، فالمسارعة إلى الطاعات من شِيم المؤمنين الصادقين، والتسابق في الخيرات من حسنات هذا الدين، ففي ذلك امتثال لأوامر الرحمان، واقتداء بسنة خير الأنام، وإحياء لنهج الأنبياء والصالحين. كما ليس غريبا أن نجد من المسلمين من يتحسر على عدم التمكن من أداء العمرة لظروف مادية أو صحية، أو لأسباب تنظيمية، كما يحدث في بعض الدول العربية التي تُخضِع مواطنيها لنظام القرعة تفاديا للاكتظاظ والازدحام. ولعل ما يجب أن يعلمه هؤلاء، أن الله تعالى لن يَحرِمهم من أجر العمرة أو غيرها وإن لم يؤدوها فعليا، إذا صدقت عزائمهم وصَحَّت نواياهم، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).