يعتبر الحج سَفَراً مقدسا يخوضه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها مرة واحدة في العمر على الأقل. سفرٌ يقصدون من خلاله الكعبة المشرفة في مكة المكرمة تلبية لنداء الله وامتثالا لأوامره وتعظيما لشعائره واستكمالا لقصة إبراهيم عليه السلام الذي ما إن أنهى بناء الكعبة حتى جاءه الأمر الإلهي بالأذان في الناس، ودعوتهم للحج وحثهم على زيارة بيته الحرام، مصداقا لقوله تعالى: {وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق} [الحـج:27]. وقد فُرض الحج على المسلمين في أواخر السنة التاسعة للهجرة حسب الراجح من قول العلماء.
وإذا تأملنا في معاني الحج اللغوية والشرعية، نستكشف أبعادا روحية واجتماعية وثقافية لا تتحقق إلا فيه، ففي معاجم اللغة مثلا، يُعرَّف الحج على أنه القدوم والمجيء والقصد وما يرتبط بهما من تنقل وسفر وترحال، وفي ذلك تَعَرُّف على جغرافيات جديدة، واطلاع على ثقافات مختلفة، وقضاء لمآرب اقتصادية واجتماعية خاصة وعامة. وفي كتب الفقه يُعرَّف الحج على أنه فريضة إسلامية يقصد بموجبها المسلمون مكة المكرمة خلال أشهر معلوات هي شوال، وذو القعدة، والأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة بِنِيَّة زيارة البيت الحرام، وفي ذلك طاعة لله وامتثال لأوامره وتعظيم لمناسكه، وتحقيق للغاية السامية التي من أجلها جعلنا الله شعوبا وقبائل ألا وهي التعارف، وهو ما يحصل بين الحجاج المجتمعين في مكة المكرمة والقادمين من مشارق الأرض ومغاربها.
وإذا تعمقنا في سبر أغوار الحج كشعيرة دينية عظيمة، نجده مقسما إلى ثلاثة أنواع حسب غاية كل مسلم ونيته، أولها حج الإفراد؛ وهو إحرام المسلم بالحج وحده، أي عقد النية عند الإحرام على أداء الحج وحده. وثانيها حج القران؛ وهو إحرام المسلم بالعمرة والحج معاً، ويختلف حج الإقران عن حج الإفراد بتضمنه لشعيرة الهدي، وهي ما يهدى من الأنعام في الحرم تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى. وثالثها حج التمتع؛ وهو إحرام المسلم بالعمرة وعقد النية على أدائها وحدها في أشهر الحج. والدليل على جواز الإحرام بالأنساك الثلاثة للحج ما ورد في الحديث عن أُمِّنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمِنّا من أَهَلَّ بعمرة، ومنا من أهَلَّ بحج وعمرة، ومنا من أهَلَّ بالحج).
ورغم المشاق المادية والجسدية التي يتحملها المسلمون في سبيل أداء فريضة الحج، يحمل هذا الأخير في ثناياه فضائل عظيمة تعود على الحاج بالخير العميم والثواب الجزيل في الدنيا والآخرة. ومن تلك الفضائل أن الحج مناسبة لتوحد الشعوب وتضامنها من خلال اجتماع مختلف المسلمين فيه. ومن فضائله أنه يهدم ما قبله، فلا تبقى في صحيفة الحاج سيئات ولا معاصي، ولا تَعْلَق في تاريخه ذنوب ولا خطايا، فإذا به راجع لبيته كيوم ولدته أمه. وجزاء الحج هو الجنة لأنه ليس كباقي العبادات بعضها يستلزم الجهد البدني وحده، وبعضها يستلزم المال وحده، أما هو فيستلزمهما معاً. والحج بإجماع العلماء جهاد في سبيل الله، فهو جهاد بالمال وبالنفس وباللسان، فكأنما جمع الله فيه كل أنواع الجهاد. والحج كما ورد في الحديث الصحيح سبب للغنى والبركة ومضاعفة الرزق، فقد ورد عن النبي قوله: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة).
بقلم: محمد رياض
تعليقات