تأملات نقدية في فاجعة مِنىً المأساوية
ببالغ الحزن والأسى تلقى طاقم موقع السبيل ومعه كل المسلمين عبر مختلف أنحاء العالم خبر وفاة المئات من حجاج بيت الله الحرام إثر التدافع الذي حصل عندما كانوا يَهُمُّون برمي الجمرات في مشعر مِنى برسم موسم الحج لهذه السنة 1436هـ/ 2015م، وبهذه المناسبة الأليمة، يتقدم طاقم موقع السبيل بتعازيه الحارة ومواساته العميقة إلى عائلات الحجاج الذين قضوا نحبهم في هذا الحادث المؤسف، راجيا من الله العلي القدير أن يتغمد الموتى بواسع رحمته وعظيم مغفرته، وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولا يفوتنا في هذا الصدد أن ننتهز الفرصة للحديث عن حيثيات هذا الحادث الجلَل وعما يمكن فعله مستقبلا لتجنب حدوثه مرة أخرى ضمانا لسلامة الحجاج وزرعا للأمان في نفوس المقبلين على الحج في المواسم القادمة بحول الله تعالى. وفي هذا الإطار ينبغي على السلطات السعودية أن تقوم بمراجعة شاملة لطريقة تنظيم الحج، وأن تعمل على تحسين الإجراءات المنظمة لهذه الشعيرة كَمًّا وكَيْفاً، من خلال توفير ما يكفي من الطاقات البشرية المتمرسة في تنظيم الحشود الضخمة، والحرص على توفير ما يكفي من وسائل النقل أمام الحجاج تلافيا للاكتظاظ في المشاعر المقدسة، والعمل على فتح مزيد من الطرق والمعابر والممرات أمام الحجاج بطريقة تضمن لهم الحق في أداء هذا الركن العظيم من جهة، وتوفر لهم السلامة الصحية والجسدية من جهة أخرى دون إفراط أو تفريط.
كما لا يفوتنا أن نذكِّر حجاج بيت الله الحرام بأهمية الامتثال الحرفي والمطلق للتعليمات والإرشادات التنظيمية أثناء تنقلهم بين مختلف المشاعر المقدسة، وفي هذا الإطار، عليهم أن لا ينزلقوا خلف العاطفة الدينية والنزعة الأنانية أثناء أداء مناسكهم، فيتدافعوا مع بعضهم البعض ويتزاحموا ويحدث المحظور، فالإسلام دين النظام لا الفوضى، والحج فرصة للتقرب إلى الله عز وجل عوض التدافع والتطاحن، والمسابقة إلى الخيرات لا تعني بأي حال من الأحوال التسابق مع الناس والتدافع بطريقة عشوائية تؤدي إلى الكوارث والمصائب لا قدَّر الله. كما لا يفوتنا أن نطالب المسؤولين في الدول التي ينطلق منها الحجاج نحو بيت الله الحرام بضرورة تأطير هؤلاء خير تأطير، وتزويدهم بما يكفي من المعلومات التقنية والأمنية المرتبطة بجغرافية الحج وخريطة المشاعر المقدسة.
إن مسؤولية حادث التدافع في مِنى لا يمكن إلا أن تكون مشتركة بين السلطات السعودية من جهة، والحجاج أنفسهم من جهة أخرى، لذلك يجب على الطرفين النظر إلى ما حدث نظرة نقدية تستفيد من أخطاء الماضي واختلالاته، وتستشرف المستقبل بعيون متفائلة مِلؤُها العزم والحزم، وشعارها بذل المزيد من الجهود لإنجاح موسم الحج وتمكين ضيوف الرحمان من الحد الأقصى الذي يضمن لهم أداء شعائرهم بطمأنينة وأمان. ونطلب من أهالي الضحايا وعائلاتهم أن يتمسكوا بالصبر والجلَد وأن يستبشروا برحمة الله وعفوه، فالموت واحد والأسباب متعددة، وحسبهم أن ضحايا الحادث ماتوا على أطهر بقعة في الأرض، وأسلموا الروح لبارئها وهم في ضيافة الرحمان، فليتغمدهم الله بواسع رحمته، وليجعلهم مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.