قبل طلوع شمس العاشر من ذي الحجة، ينطلق حجاج بيت الله الحرام إلى مشعر مِنى لاستكمال رحلتهم الإيمانية من خلال القيام بأعمال يوم النحر الذي ذكره الله تعالى في القرآن الكريم باسم الحج الأكبر. وقد اختلف الفقهاء والمؤرخون في أصل تسمية مشعر مِنى، فنسبه بعضهم لما يراق فيه من دماء النحر والهدي في الحج، ونسبه البعض الآخر لتمني آدم الجنة فيه، ونسبه آخرون لاجتماع الحجاج به، لأن مكان اجتماع الناس يسمى عند العرب مِنى.
أهمية شعائر الحج في مِنى
لأعمال الحج في منى أهمية تاريخية ودينية عظيمة، فعلى الصعيد التاريخي قام إبراهيم عليه السلام برمي الجمرات أول مرة في مشعر مِنى. وفيه أيضا أنجى الله إسماعيل عليه السلام من الذبح وافتداه بكبش عظيم. وفيه نزلت سورة النصر على الرسول الكريم أثناء حجة الوداع. وفيه بايع الأنصار النبي مرتين. وعلى الصعيد الديني يحتضن مشعر منى أهم أعمال الحج وأعظمها، ففيه يرمي الحجاج الجمرات، وفيه ينحرون الهدي، وفيه يحلقون أو يقصرون، وفيه يطوفون ويسعون.
وقت التوجه إلى مِنى
اختلف أهل العلم في الوقت الشرعي الذي يجوز للحجاج فيه مغادرة المزدلفة والتوجه إلى مشعر مِنى، حيث لا يرى فقهاء الشافعية وأتباعهم حرجا في تأخير التوجه إلى مشعر مِنى إلى ما بعد منتصف ليلة التاسع من شهر ذي الحجة، فيما يرى فقهاء المالكية وعلماؤها بضرورة التوجه إلى مشعر منى قبل منتصف نفس الليلة.
رمي الجمرات
الجمرات ثلاثة أنواع هي الصغرى والوسطى والكبرى. وتستعمل في رميها سبعون حصاة موزعة على أيام التشريق، حيث ترمى كل جمرة بسبع حصيات مع التكبير عند كل حصاة. ويكون رمي جمرة العقبة يوم النحر بين الزوال والضحى بسبع حصيات. ويستحب رميها من أسفل، جهة مكة فإذا تعذر ذلك، ترمى من حيث تيسر. أما رمي الجمرتين الصغرى والمتوسطة فيكون بعد الزوال في أيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة. ومن عجز عن الرمي لعلة لا يرجى زوالها قبل خروج وقت الرمي، يمكنه توكيل من يرمي عنه، وهذا رأي جمهور الفقهاء على اختلاف مذاهبهم.
النحر والهدي
بعد رمي جمرة العقبة يتفرغ الحجاج لنحر الهدي أو ذبحه. والهدي شاة، أو سبع ناقة، أو سبع بقرة. وهو واجب على المتمتع والقارن لقوله تعالى: [فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي]. ومن السنة ذبح الغنم والبقر على جانبها الأيسر مع توجيهها نحو القبلة. أما الإبل فتُنحر قائمة مع إعقال يدها اليسرى. ويستحب أن يأكل الحجاج جزءا من الهدي، ويهدوا جزءا، ويتصدقوا بالجزء الآخر مصداقا لقوله تعالى: [فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير]. ويمتد وقت الذبح إلى اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.
الحلق والتقصير
بعد ذبح الهدي أو نحره، يتفرغ الحجاج للحلق أو التقصير. ولا يجب على المرأة سوى التقصير الخفيف حيث تقص من شعرها جزءا يسيرا جدا لا يتعدى بضع ميليمترات. أما الرجال فيفضل لهم الحلق، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا بالرحمة ومغفرة الذنوب ثلاث مرات للمُحلقين ومرة واحدة للمقصِّرين. وبعد الحلق أو التقصير يتحلل الحجاج التحلل الأصغر فيباح لهم ما كان محرما عليهم عدا النساء. وبذلك يمكنهم التطهر واستبدال ثياب الإحرام بثياب عادية.
طواف الإفاضة
طواف الإفاضة هو الركن الثاني من أركان الحج ذكره الله في القرآن الكريم بقوله: [ثم ليَقضوا ثَفَتَهُم وليُوفوا نذورهم وَلْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق]. وأفضل أوقاته يوم النحر، حيث يبدأه الحجاج من مكان الحجر الأسود فيُقبّلونه إذا استطاعوا، أو يلمسونه بأيديهم أو يشيرون إليه من بعيد. ثم يتجهون يمينا جاعلين الكعبة عن يسارهم فيطوفون حولها مرورا بالركن اليماني وانتهاء بركن الحَجَر الأسود، ويكررون ذلك سبعة أشواط. ثم يُصلُّون ركعتين خلف مقام إبراهيم، ويشربون من ماء زمزم اقتداء بالنبي الكريم.
السعي بين الصفا والمروة
السعي بين الصفا والمروة هو الركن الثالث من أركان الحج وأحد أهم الأعمال في منى. وتبتدئ مراحله بأن يقصد الحجاج جبل الصفا حتى إذا بلغوه صعدوه مُيَمِّمِين وجوههم شطر المسجد الحرام ومُكَبّرين الله ثلاثا، ثم ينزلون من الصفا فيمشون ذاكرين الله في طريقهم إلى أن يصلوا إلى المروة فيصعدونه، ثم يُكبرون ويهللون ويدعون بما شاؤوا. ثم ينزلون فيمشون حتى يصلوا إلى الصفا فيصعدونه مرة أخرى. ويكررون العملية حتى يكملوا سبعة أشواط بأربع وقفات على الصفا، وأربع على المروة.
بقلم: محمد رياض
تعليقات