كيف هو حال الأمة هذا العام في رمضان؟
في خضم شهر رمضان المبارك، يفرح الكثيرون بأجوائه الروحية المفعمة بالأمل والرجاء، ويسْعَد الآخرون بمظاهره المتعددة كصلاة التراويح والتجمعات العائلية وصلة الرحم وما يصاحبها من جلسات حول موائد الإفطار وغيرها، لكن الكثير من المسلمين لا يفرحون بنفس القدر ولا يسعدون بنفس الدرجة ولا تتاح لهم الفرصة في أحيان كثيرة للصلاة في المساجد وصلة الرحم والجلوس إلى موائد الإفطار آمنين مُطمئنِّين، والسبب في ذلك معاناة بلدانهم من أجواء عدم الاستقرار بسبب الحروب والصراعات السياسية والنزعات الطائفية والاحتلال كما هو الشأن في فلسطين والعراق وسوريا واليمن وغيرها.
فَفي فلسطين الحبيبة، وعلى مدى عقود من الزمن، اعتاد الفلسطينيون على صيام رمضان تحت سلسلةٍ من الإجراءات التعسفية من طرف جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتم منع الكثيرين من صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، ويُحرَم آخرون من الزيارات العائلية بسبب الإجراءات الأمنية على الطرق والمعابر المؤدية من وإلى المدن الفلسطينية المحتلة، كما يتم تكثيف الحواجز الأمنية خاصة بين الضفة الغربية وقطاع غزة وعلى المداخل المؤدية إلى القدس. وقد أعلن جيش الاحتلال مؤخرا عن إجراءات "تسهيلية" بمناسبة شهر رمضان تتمثل في السماح لمئتي فلسطيني من قطاع غزة بزيارة الضفة الغربية والصلاة في المسجد الأقصى، إضافة إلى تيسير الزيارات العائلية بين مختلف المناطق الفلسطينية.
أما في سوريا، وبعد مرور أربع سنوات على "الثورة" فإن وضع الأشقاء السوريين لا يَسُرُّ عدوا ولا قريبا، حيث تحولت البلاد إلى قطعة تتنازعها أيادي النظام والجماعات المسلحة دون اكتراث بحال المدنيين، وبذلك يُطل رمضان الكريم على السوريين وقد فقد الكثير منهم أقرباءهم وأحباءهم، لتتحول موائد الإفطار عندهم إلى موائد للألم والحزن وتذكر الشهداء الذين قضوا برصاصة طائشة أو قنبلة غادرة أو غارة جوية هنا أو هناك. كما تحولت الكثير من المدن والقرى إلى أنقاض وأطلال تشهد على قساوة الوضع السوري وما وصلت إليه البلاد من تدهور، حيث طُمست منازل بكاملها، وهدمت مساجد وصوامع، لتتحول أجواء رمضان إلى مظاهر للألم المخضب بالأمل، في انتظار انفراج أوضاع المقيمين وتحسن أحوال اللاجئين في المخيمات داخل وخارج البلاد.
وفي العراق، يطل شهر رمضان على العراقيين وهم يرزحون تحت وطأة المواجهات العسكرية بين القوات النظامية والجماعات المسلحة التي تحكم سيطرتها على مناطق متفرقة من البلاد. ليتميز رمضان هذه السنة بأجواء تؤثثها أصوات الانفجارات والاغتيالات والاختطافات. نفس المشهد تشهده كلٌّ من اليمن وليبيا، حيث يعيش اليمنيون أجواء رمضان في ظل الصراع السلطوي بين النظام السابق وجماعة الحوثيين وما تلاه من تدخل عسكري عربي بقيادة المملكة العربية السعودية. أجواءٌ ساهمت في تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية، الأمر الذي جعل من رمضان مناسبة للبكاء على ما آلَ إليه الوضع والرجاء في غد مشرق يمسح جراح اليمنيين ويُكَفْكِفُ دماءهم و دموعهم. أما في ليبيا فإن المواطنين المنتمين لهذا البلد يأملون أن يجلب لهم شهر رمضان المبارك السلام والأمن والطمأنينية في ظل وضع أمني صعب واقتصاد أصابه الشلل، ومشاكل سياسية واجتماعية معقدة خاصة في شرقي البلاد.
وتنضاف لهذه الأوضاع المأساوية، موجة جديدة من العمليات الإرهابية بكل من تونس والكويت وفرنسا ومصر وعمليات أخرى تحمل توقيع تنظيم داعش. ففي تونس أودى الإرهاب الأسود بحياة 38 شخصا من السياح أغلبهم بريطانيون وجرح 39 آخرون في هجوم مسلح شنه إرهابيون ملثمون على منتجع سياحي بمدينة سوسة الساحلية. وفي الكويت اندس انتحاري تابع لتنظيم داعش بين المصلين في مسجد شيعي خلال صلاة الجمعة قبل أن يفجر نفسه بحزام ناسف مخلفا سقوط عشرات القتلى والجرحى. أما في فرنسا، فقد قاد شخص يحمل راية سوداء هجوما مسلحا على مصنع للغاز قرب مدينة ليون شرق البلاد مخلفا مقتل شخص وإصابة آخرين بجروح متفاوتة الخطورة. وفي مصر تعرض موكب النائب العام المصري لهجوم أودى بحياته عندما فجر مجهولون سيارته وسيارتين مرافقتين له أثناء توجهه إلى عمله في حي مصر الجديدة في القاهرة.
بالموازاة مع ذلك، بث تنظيم داعش مقطع فيديو جديد تحت عنوان "إن عدتم عدنا"، يُظهر من خلاله عملية لإعدام 14 عراقياً اعتبرهم من "الجواسيس". عملية الإعدام تلك تمت بثلاث طرق بشعة فُجِّرت خلال الأولى سيارة يركبها ثلاثة من المعدمين الأربعة عشر، وفي الثانية وضع خمسة منهم في قفص وأغرقوا حتى الموت، أما في الثالثة فقد فجرت أعناق الستة الباقين باستخدام الديناميت. والمؤسف في هذا الفيديو وفي العمليات الإرهابية السالفة الذكر تزامنها مع شهر رمضان الكريم وتبنيها من طرف جماعات متطرفة تدعي الدفاع عن الإسلام والإسلام منها براء. فالإسلام دين رحمة ومجادلة بالتي هي أحسن، وهو دين محبة وتعاون وتضامن، وحاشى أن يكون الإرهاب من تعاليم هذا الدين، وكلاَّ أن يكون قتل الناس من شيم الإسلام والمسلمين، وصلى الله على الحبيب المصطفى إذ سأله الصحابة يوما عن صفة المسلم فقال: (المسلم من سَلِم الناس من لسانه ويده).