صلة الرحم في رمضان
يروِّض الصيام نفسَ المسلم فيُزَيِّنها بجميل الخُلق، ويعوِّد القلب على الطاعة فيغرس فيه بذور الرفق وجذور الإحسان، فتتحول النفس إلى مشاعر تفوح رحمة وانكسارا، ويستحيل القلب إلى أحاسيس تنطق تسامحا واعتذارا، ليترجِم المسلم ذلك خلال رمضان بزيارة أقاربه وصلة أرحامه والتودد إلى أصدقائه وأصهاره. ففي صلة الرحم توطيدٌ لأواصر القرابة بين الأهل، وتوثيق لوشائج المحبة بين الأقارب، وتعزيز لعلاقات التواد والتراحم بين المسلمين جميعا، وفي ذلك كلِّه مصلحةٌ للأمة وفائدة للفرد والمجتمع على السواء. وقد نصحنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف فقال: (بلوا أرحامكم ولو بالسلام). وفي ذلك إشارة إلى أهمية صلة الرحم وبساطة متطلباتها، وأقلُّها إفشاء السلام.
إن أضعف مظاهر صلة الرحم في رمضان أن يأخذ المسلم هاتفه فيتصل بأهلٍ له لم يكلمهم منذ زمن، أو يفشي السلام مع أقاربَ له يحتك بهم في الشارع فلا يحادثهم، أما من أسعفته الظروف وتوفرت له الأسباب، فعليه استغلال نفحات هذا الشهر العظيم، ونسمات هذا الشهر الكريم، فيصلَ أرحامَه قدر المستطاع بزيارات فردية أو عائلية، تتحقق من خلالها الصلة بين الأهل والأحباب، وتتجدد بها علاقات المحبة والتفاهم بين العائلات والأنساب. فرمضان شهر الخيرات كما نعلم جميعا، فيه يزداد الأجر وتتضاعف الحسنات، لذلك على المسلم الحق أن يُنوِّع في طرق العبادات والطاعات، فلا يكتفي بمجرد الصيام والقيام، بل يتعداها إلى مختلف المظاهر النبيلة ومن ذلك زيارة الأقارب وصلة الأرحام.
ولعل ما يشير إلى أهمية صلة الرحم في رمضان وفي غيره، تشجيع الإسلام عليها وتحذيره من قطيعتها، فقد وردت في القرآن الكريم تسعة عشر آية تدعو بالرحمة والغفران لمن صال رحِمهُ، وثلاث آيات أخريات تنذر باللعن والعذاب من قطعها. ولنا أن نقتدي بالسلف الصالح قبلنا الذين كانوا أشد حرصا على صلة الرحم، فكانوا يقطعون الفيافي والقفار على ظهور البهائم والبعير لزيارة أهلهم والاطلاع على أحوال أقاربهم، فكيف لنا أن لا نهتدي بهم ونحن في عصر السيارات والطائرات والهاتف والانترنيت، ولم لا نفتح في رمضان الكريم صفحة جديدة شعارها الحفاظ على صلة الرحم قدر المستطاع والابتعاد عن قطعها مهما كانت الظروف واختلفت الأسباب.
ومن الأمور التي على المسلم تجنبها في موضوع صلة الرحم، أن لا ينتظر زيارة أهله له أولاً قبل أن يزورهم، بل على العكس تماما، عليه أن يبادرهم هو بالزيارة وأن يفاجئهم هو بالوصل والإحسان، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل إذا قطعت رحمه وصلها)، وبِصلة الرحم ينال المسلم الأجر العظيم والثواب الجزيل في الدنيا والآخرة، بِها يزداد العمر ويبارك الله فيه، وبها يزكَّى الأجر ويضاعَف الثواب، وبها يُبسَط الرزق ويكثر الخير، وبها يُيَمَّنُ الكتاب ويُيَسَّرُ الحساب و يدخل واصل الرحم الجنة مع أول الداخلين.
تعليقات