أهمية مناسك الحج في الإسلام
على خلاف باقي أركان الإسلام، يعتبر الحج من العبادات الصعبة التي تجمع بين الجهد البدني والبذل المادي والتنقل الجغرافي، كما يعد من الطاعات الشاقة والمتعبة بسبب تعدد مناسكه وتنوع شعائره. لذلك فرضه الله تعالى على المسلمين مرة واحدة في العمر، واعدا إياهم بمغفرة الذنوب وتكفير الخطايا، شريطة التزامهم بأداء مناسكه كاملة، والقيام بشعائره على الوجه الصحيح.
فإذا كان الحج في عُمومهِ رحلةً مجازية إلى الله سبحانه وتعالى وفرارا إليه من الذنوب والآثام، فإن مناسكه العظيمة وشعائره الحميدة تُعَد جولة روحية في دروب الخضوع والامتثال، ونزهة إيمانية في حدائق الطهر والجمال، تهذب النفوس وتروضها، وتغذي الأرواح وتطهرها، وتُعلِّم العبد أهمية الصبر على الطاعة وقيمة الحرص على شرع الله وسنة أنبيائه.
ففي التزام المسلم بأداء مناسك الحج على وجهها الصحيح، طاعة لله وخضوع له سبحانه وتعالى، وفي الحرص على إتقان تلك المناسك انعكاس لطهارة القلب والجسد، وترجمة لجمالية الروح والنفس، ودليل على ورَع الحاج وتقواه وخشيته للخالق في سِرِّه ونجواه. ومن ثمار ذلك صلاح العمل وثبات الأجر وسداد الرأي.
ومن الخطأ النظر إلى مناسك الحج نظرة سطحية تختصرها في مجرد حركات وطقوس يقوم بها الحجاج كل سنة دون معنى أو هدف، قبل العودة إلى ديارهم لمواصلة مسيرة الحياة وكأن شيئا لم يحدث. والواقع أن تلك المناسك والشعائر بمختلف مظاهرها وتجلياتها، لم يفرضها الله تعالى على عباده إلا لحِكَمٍ ربانية سديدة ومقاصد نورانية بليغة.
فالإحرام، و الطواف، و السعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، والإفاضة إلى المزدلفة، والتوجه إلى منى، ورمي الجمرات وغيرها... مناسك تعبدية راقية تحمل بين ثناياها أبعادا رمزية ومقاصد سامية يدركها العابدون الخاشعون، فتخضع لها قلوبهم قبل عقولهم، وتستسلم لها أفئدتهم قبل أجسادهم، فيحرصون على جني ثمارها حسب المستطاع، ويسعون للاستفادة من منافعها قدر الإمكان.