تجويد القرآن في الإسلام
القرآن الكريم كلام الله تعالى يخاطب فيه الناس والبشر والعالمين أجمعين، ولأنه كذلك، فهو كتاب ليس كباقي الكتب، وكلام ليس ككل كلام، فهو أعظم كتاب يمكن للإنسان أن يقرأه في حياته، وأبلغ كلام يمكن لبشر أن يسمعه قبل مماته، لذلك، طبيعي أن تختلف طريقة قراءته عن قراءة باقي الكتب الوضعية، وبديهي أن تتميز كيفية إلقائه عن جميع طرق الإلقاء كالخطابة والشعر والنثر ونحو ذلك. وقد وضع أهل العلم ضوابط وأحكاما لهذه الكيفية وصنفوها ضمن ما يعرف بعلم التجويد، نسبةً لتجويد الصوت وتحسين الكلام وإتقان النطق وجعله في غاية الجودة والكمال أثناء قراءة كتاب الله عز وجل.
والتجويد بهذا المعنى يعطي الحروف حقوقَها وترتيبَها، ويردها إلى مخارجها وأصولها، ويلطف النُّطق بها على كمال هيئتها، بلا إفراط أو تفريط ودون تقصير أو مبالغة. وينقسم التجويد حسب أهل العلم إلى ثلاثة مراتب أساسية هي الترتيل، والحدر، والتدوير. فالترتيل هو قراءة القرآن الكريم بتدبر تام واطمئنان كامل مع الالتزام بأحكام التلاوة ومخارج الحروف. والحدر وهو قراءة القرآن بشكل سريع والحرص في نفس الوقت على الالتزام بأحكام التلاوة وقواعدها، أما التدوير فهو مرتبة متوسطة بين الترتيل والحدر لا استعجال فيها ولا تباطئ. ويرى أهل العلم أن قراءة القرآن الكريم بالتجويد لا تخرج عن هذه المراتب الثلاثة، وإن كانت مرتبة الترتيل أفضل وأرقى لقوله تعالى في سورة المزمل: [ورتل القرآن ترتيلا].
وإذا كان القرآن الكريم وسيلة يخاطب بها الله عز وجل الناس ويبين لهم من خلالها ما خفي عنهم، فإن التجويد غايةٌ يُراد بها صون اللسان عن الزلل، وحفظه من الانزلاق نحو اللحن في القرآن الكريم. واللحن في القرآن عبارة عن أخطاء تطرأ على الألفاظ والحروف ومخارجها وتؤثر عليها، ويقسمه أهل العلم إلى نوعين أساسيين، أولهما لحن ظاهر في القراءة يمكن للعامة إدراكه، ويتجلى في استبدال حرف معين بحرف آخر أو حركة خاصة بحركة أخرى، وهذا اللحن مردود ولا يجوز التجويد به. والثاني لحن خفي لا يستشعره سوى علماء القراءة، كالمبالغة في إطالة المد أو تقصيره أو تفخيم حرف في غير محله أو ترقيقه، وهذا اللحن مرفوض أيضا ويُنصح بتفاديه.
ولكي تتحقق مقاصد التجويد وغاياته إذن، يبدو حريا بكل مقرئ و مقرئة الالتزام بقواعده الصارمة وأسسه المتينة، وتجنب اللحن فيه دون مبالغة أو إهمال. وبذلك يكون لكتاب الله العزيز تميزه وتفرده عن باقي الكتب، وتُعطى لكلامه سبحانه وتعالى المرتبة الجديرة به والمكانة التي يستحقها، فيحدث التأثير المراد بالقرآن من خشوع وتأمل وتدبر، وتسهل رسائله على الفهم والهضم والاستساغة، فتقع في القلوب قبل الآذان وفي الصدور قبل الأسماع. وقد مَنَّ الله تعالى علينا فحبانا بشيوخ ومقرئين أكفاء ساهموا في تأصيل هذا العلم، وتوثيقه، وإيصاله للناس بأصواتهم العذبة وحضورهم القوي، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. وستجدون في موقع السبيل ثلة من خيرة هؤلاء القراء والشيوخ، وتشكيلة منوعة من التسجيلات القرآنية المجودة بأصواتهم المتميزة.