كل ما يتعلق بالقرآن الكريم: أحكامه، علومه، معجزاته.

كل ما يتعلق بالقرآن الكريم: أحكامه، علومه، معجزاته.

القرآن الكريم هو أعظم كِتاب في الكون، أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي فصيح في ليلة القدر من شهر رمضان بواسطة الملَك جبريل عليه السلام. وهو كتاب سماوي مُعجز، ودستور إلهي مُحكَم، هدفه هداية الناس مصداقا لقوله تعالى: {كتاب أنزلناه إليكََ لِتُخْرِجَ الناس من الظلمات إلى النور}. ويعتبِرُ أهل اللغة القرآن مصدرا مشتقا من الفعل قرأ، لأن العرب تقول (قرأ، يقرأ، قراءة، وقرآنا)، أما أهل العلم الشرعي فيعرفونه بأنه كلام الله المنزل على نبيه محمد، المعجِز بلفظه، المتعبَّد بتلاوته، المنقول بالتواتر، المكتوب في المصاحف من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس. ويتكون القرآن الكريم من 114 سورة مكّية ومدنية تبعا لمكان وزمان نزول الوحي بها. وهو آخر الكتب السماوية وأكملها وأشملها.

ومن مظاهر تفرد القرآن الكريم أنه صالح لكل مكان وزمان وأنه محفوظ من التحريف مصداقا لقوله تعالى: {إِنَّا نحن نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنا له لَحافظون}. ففي حياة النبي الكريم حَفِظه الصحابة والخلفاء الراشدون وغيرهم. وكانوا بادئ الأمر يحفظونه في صدورهم لِنهي النبي عن كتابته حتى لا يلتبس بغيره، وبعدما أمِن النبي خطر التباسه، أذن في كتابته، فاعتنى الصحابة بكتابته وتدوينه. وبعد وفاة النبي خشي الصحابة من ضياع القرآن وتفرقه، فأمر أبو بكر الصديق بجمعه في مصحف واحد، وأوكلت هذه المهمة بزيد بن ثابت رضي الله عنه. وفي عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان، اختلفت قراءات القرآن بصورة فتحت باب الشقاق بين المسلمين لدرجة تكفير بعضهم البعض، وتجنبا لذلك، رأى عثمان أن يجمع الناس على مصحف واحد أساسه القراءة المتواترة عن النبي الكريم، فاستشار مع أعلام الصحابة، واتفقوا على استنساخ مصاحف موحدة، وإحراق ما عداها مما ينتفي تواتره ولا تثبت صِحته.

وقد سميت هذه المصاحف المتواترة بالمصاحف العثمانية، ومن مميزاتها، اختلاف طريقة رسْمِها عما كان عليه الأمر في عهد النبي الكريم، ففي البداية، كان الصحابة يكتبون القرآن بدون تنقيط أو تشكيل، وكان الفهم معتمدا على السليقة العربية. وبعد وفاة النبي، كان المسلمون من غير العرب، يجدون صعوبة في قراءته وفهم آياته، فاتفق الخلفاء والصحابة على كتابة المصحف ورسمه بالنقط والتشكيل لتسهيل الأمر. ويُعتبر التابعي أبو الأسود الدؤلي المتوفى سنة 69 هـ، أول من قام بتشكيل القرآن الكريم بأمر من علي بن أبي طالب. ومن الإضافات التي جاء بها، وضْع علامة الفتحة نقطة فوق الحرف، وعلامة الكسرة نقطة أسفله، وعلامة الضمة نقطة بين أجزاء الحرف، إضافة إلى جعل علامة السكون نقطتين. وبعد وفاته بسنوات، سار على نهجه لُغويون بارزون أهمهم الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى سنة 174هـ، فهو أول من وضع الهمزة والتشديد وغيرها من علامات التشكيل. وفي أواخر القرن الثالث الهجري، بلغ الرسم القرآني ذروته، ليستقر على الشكل الذي نعرفه اليوم.

وبعيدا عن التفاصيل الشكلية والتاريخية، يكتسي القرآن الكريم أهمية بالغة خاصة فيما يتعلق بالجانب الروحي، حيث يشتمل على عقائد سليمة، وعبادات سامية، وأخلاق رفيعة، وتشريعات عادلة تؤسس لمجتمع فاضل ودولة صالحة. فالقرآن الكريم هو المنهاج الرباني والنور السماوي الذي يبين للناس طريق الحق ويهديهم سبيل الرشاد مصداقا لقوله عز وجل: {هذا بيانٌ للناس وهُدى وموعظة للمتقين}. وقد لخَّص النبي الكريم أهمية القرآن في الحديث الذي أخرجه الدارمي عن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ستكون فِتن) قلت: وما المخرج منها؟ قال: (كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحُكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله. فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا "إنا سمعنا قرآنا عجبا". هو الذي من قال به صدَق، ومن حكم به عدل، ومن عمِل به أُجِر، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيم).

وبالإضافة إلى أهميته الروحية، يكتسي القرآن الكريم أهمية لغوية بالغة تجمع بين الكمال والجمال والفصاحة والبيان، مصداقا لقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}. فالقرآن الكريم من أرقى الكتب العربية والعجمية قيمة في اللغة والبيان والفصاحة والإتقان. وقد لعب دورا حاسما في توحيد اللغة العربية وتطويرها والحفاظ عليها من الاندثار، حيث كانت مُشتتة قبل الإسلام رغم غِناها، ففُتِحت بفضله آدابُها، وازدهرت علومها الصرفية والنحوية، ووُضعت اللّبنات الأولى والقواعد الشاملة لهذه اللغة كما نعرفها اليوم. والقرآن الكريم في هذا الصدد مرجع لغوي عظيم بشهادة فطاحلة اللغة العربية كسيبويه وأبو الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد الفراهيدي وغيرهم، حيث شَكَّل مرجعهم الأساسي في طوير اللغة العربية وتحديثها.

ومنذ نزوله إلى يومنا هذا، انشغل المسلمون ولا يزالون بدراسة القرآن الكريم وتعلُّمه، فتفرَّعت عن ذلك علوم ومعارف متعددة، بعضها يهتم بتفسير القرآن وشرح معانيه كعلم التفسير والتأويل، وبعضها يختص بطريقة قراءته وتجويده كعلم القراءات، وبين هذه وتلك نشأت علوم قرآنية أخرى هدفها الواحد والأوحد دراسة القرآن الكريم وخدمته على أكمل وجه. وقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم سبَّاقين إلى إرساء عدد من العلوم القرآنية، حيث ظهر بينهم العِلْم بالناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، ومعرفة الفواصل والوقف وغيرها. وعلى مر التاريخ الإسلامي، برز في كل عصر علماء وفقهاء اختص كل واحد منهم في مجال من مجالات علوم القرآن، فانتفع الناس باجتهاداتهم وإسهاماتهم، واغتنت بمؤلفاتهم المكتبات الإسلامية.

بقلم: محمد الحياني

مشاركة هذا المقال:

للمطالعة: القرآن الكريم

فضل حفظ القرآن الكريم
علوم القرآن
آداب تلاوة القرآن
أسباب النزول
المكي والمدني
الناسخ والمنسوخ
المُحكم والمتشابه
إعجاز القرآن
قراءة القرآن بدون حجاب
بلاغة القرآن الكريم
قراءة القرآن من الجوال
قراءة الحائض للقرآن

تعليقات

z