حُكم العلاج بالرقية الشرعية
يَحدث أنْ يلجأَ المسلم لعلاج نفسه من الأمراض النفسية والعضوية عن طريق الرقية الشرعية عِوض الذهاب إلى المستشفيات وعيادات الأطباء والاختصاصيين، وفي هذا الصدد يُطرح التساؤل عن حُكم اللجوء لهذا النوع من العلاج خاصة في مجتمعنا المعاصر الذي يعرف فيه الطب ثورة هائلة وتقدما كبيرا. وكإجابة عن هذا التساؤل يرى أهل العلم أن لا مانع من اللجوء للعلاج بالرقية الشرعية ما لم يكن فيها شرك أو توسل بغير الله تعالى. فالعلاج بالرقية الشرعية المحترِمة للضوابط والأحكام الإسلامية مشروع ولا حرج على المسلم فيه لقول النبي الكريم: (لا بأس بالرقى ما لم تكن شِركا)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه).
حُكم العلاج بالطب الحديث
من العلماء من يشجع الناس على عدم اللجوء للطب الحديث بصفة خاصة، وللتداوي بصفة عامة، لأن الأمر -حسب قولهم - ينافي التوكل على الله تعالى، لكن الراجح من أقوال جمهور العلماء في هذا الموضوع أن العلاجَ بالطب الحديث مشروع بل وواجب في الحالات التي يُخشى فيها على النفس من الهلاك. فلا حرج على المسلم إذا أصابه مرض جسدي أو نفسي أن يلجا إلى الأطباء لمعالجته شريطة أن تكون الأدوية المستخدمة في العلاج مشروعة ومباحة وأن لا تتضمن موادا محرمة مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إنَّ الله أَنْزَلَ الداء والدواء وجَعل لكل داء دَوَاءً فتداوَوْ ولا تداوَوْ بحرام). فاللجوء للطب الحديث مشروع ولا حرج فيه ولا ينافي التوكل على الله في شيء، ومن تركه فلا حرج عليه، وإذا اشتدت الحاجة إليه تَأكَّدَ، لأن في تركه ضرر ومفسدة.
الأهمية العلاجية للرقية الشرعية
تكتسي الرقية الشرعية أهمية علاجية هامة في الإسلام لاعتمادها أساسا على الآيات القرآنية والأذكار والأدعية النبوية الشريفة. فالقرآن الكريم علاج وشفاء للمؤمنين مصداقا لقوله تعالى: (ونُنزِّل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين). والعلاج بالرقية الشرعية نافع وناجع بشهادة النبي الكريم والسلف الصالح من بعده. فقد ورد عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه شكا إلى النبي وجعاً يجده في جسده منذ أسلَم فقال له النبي الكريم: (ضَعْ يدك على الذي تأَلَّم من جسدك وَقُلْ بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شَرِّ ما أجد وَأُحَاذِر). فالآيات القرآنية والأذكار النبوية التي يرقى بها الناس أنفسهم وأهليهم نافعة وشافية بإذن الله تعالى، لكن مفعولها العلاجي وتأثيرها الصحي يظل مرتبطا باحترام شروطها وضوابطها الشرعية من جهة، وبصلاح الراقي وإيمانه وإخلاص المريض وتوكله على الله تعالى من جهة أخرى. ومتى اجتمعت هذه العوامل حصل الشفاء بإذن الله.
العلاقة بين العلاج بالرقية الشرعية والطب
من خلال ما سبق، يتضح أن العلاقةَ بين الرقية الشرعية والطب الحديث علاقة تكاملية مَحْضة. فهما وسيلتان علاجيتان ناجعتان يمكن للمسلم أن يلجأ لأحدهما أو كليهما حسب طبيعة مرضه وقناعاته ورؤيته الشخصية. هاتان الوسيلتان العلاجيتان لا تتعارضان مع مبدإ التوكل على الله سبحانه وتعالى بل تدخلان في إطار الأخذ بالأسباب التي هيأها الله لعباده شريطة احترامهما للضوابط الشرعية والأحكام الإسلامية الرشيدة. فمن شاء أن يعالج نفسه أو أهله بالرقية الشرعية فلا حرج عليه إطلاقا، ومن شاء اللجوء إلى المستشفيات وعيادات الطب الحديث فلا بأس بذلك نهائيا. فالله سبحانه وتعالى هو الشافي الوحيد والأوحد، وما الرقاة والأطباء إلا جنود يؤدون واجبهم بتحديد نوع المرض وسبُل علاجه، لكن الشفاء في نهاية المطاف يظل رهينا برحمة الله تعالى ومشيئته سبحانه.
بقلم: محمد الحياني
تعليقات