ماذا بعد رمضان ؟

ماذا بعد رمضان ؟

أن تبدأ المشوار بالسرعة القصوى ثم تنهيه ببطء شديد أو تتوقف فجأة أمر لا بد أن يكلفك الخسارة، وأن تبدأ بجميل الاجتهاد ورفيع العمل وتنهيه بالتراخي والكسل أمر لا بد أن يكلفك الفشل، لذلك، جميل أن نكون من الذين اجتهدوا بالعبادات والطاعات في رمضان، لكن الأجمل أن نستمر في عبادة الله وطاعته بنفس الهمة والنشاط، وأن نواصل في الاجتهاد بعد رمضان، فنصوم لله تطوعا، ونقوم بين يديه تضرعا ونذكره خوفا وطمعا، فرمضان شهر يزورنا مرة في السنة ثم يمضي لحال سبيله، والمسلم الحق لا يعبد الله في رمضان والأعياد والمناسبات الموسمية فقط، بل يعبده في كل وقت وحين حتى إذا ما قبض ملاك الموت روحه، قبضه وهو في عز العبادة وأوج الإيمان والتقوى.

مناسبة هذا الكلام أن الكثير من المسلمين يدخلون رمضان بهمة ونشاط فيعبدون الله حق عبادته ويطيعونه حق طاعته، لكن همتهم تلك، ونشاطهم ذاك سرعان ما ينطفئ بانتهاء هذا الشهر فيعودون إلى سابق عهدهم، يضيعون الوقت في ما لا يفيد، يتركون السنن والنوافل، ويتراخون عن أداء الفرائض الخمسة حتى، وكأن الله لا يحاسب إلا على أعمال رمضان، وكأن الشرائع الإسلامية لم توضع إلا لتطبق في هذا الشهر، فما فائدة رمضان إن لم نواصل بعده مشوار العبادة والإيمان والتقوى، وما قيمة أعمالنا إن خصصناها لفترة زمنية محدودة وقطعناها بعدها. إن الذي يتصرف بهذا المنطق لا يفهم أبعاد هذا الشهر العظيم ودلالاته، ولا يأخذ من مقاصد هذا الدين إلا ما يتناسب مع أهواءه ويتماشى مع طبائعه.

إن رمضان كما هو معلوم، شهر كريم جعله الله فرصة للزيادة في الخيرات ومضاعفة الحسنات، وهو ورشة روحية لترويض النفس كي تكبح شهواتها، وتداوم على العبادة وتصبر على الطاعة، وهو علامة فارقة يفتح بها المسرفون على أنفسهم صفحة بيضاء شعارها أداء الواجبات الدينية قدر المستطاع، وعدم التفريط في جنب الله مهما كلف الأمر. وبذلك فرمضان نقطة انطلاق نحو المستقبل بعيون مشرقة تسعى لرضى الله ورحمته، وترنو إلى كرمه وعفوه، وهي أمور لا يمكن للمتراخين بعد رمضان تحقيقها، فلنعبد الله في رمضان وفي غيره، ولنجتهد له بالعمل الصالح قبل وأثناء وبعد رمضان، فالله معنا في كل الشهور والأزمان، وهو مطلع على ما في صدورنا في كل الأوقات والأحيان.

إن سلعة الله الجنة والجنة غالية، ومخطئ من يتمنى نيلها دون جهد وتعب وتضحية، فعبادة الله في شهر واحد لا تكفي، وطاعته في أيام معدودات لا تعني الكثير، فلنجاهد النفس ولنتجنب طاعتها في ما لا يرضي الله، ولنغالب الشهوات والملذات بعد رمضان، ولنكمل مشوار العبادة لا يوقفنا برد ولا حر ولا مطر، فمن غُفر له منا في رمضان أولى له أن يحافظ على نقاء صحيفته ونظافة كتابه، ومن لم يُغفر له فالمغفرة لا تأتي برمضان فقط، والأحرى له أن يجتهد أكثر فيعمل الصالحات ويزرع الخيرات وليكن متيقنا أن الله لن يبخسه أعماله. فلنراجع أنفسنا هذه الأيام بحس وضمير، ولنسائل أنفسنا عن الأمور التي من شأنها تحقيق سعادتنا في الدنيا والآخرة، وليكن أهم سؤال نطرحه كي نجيب عنه بشكل عملي، ماذا بعد رمضان؟

مشاركة هذا المقال:

تعليقات