تأملات في الشهادتين

لها أسماء كثيرة وألقاب مختلفة، من الناس من يسميها كلمة التوحيد، ومنهم من يطلق عليها كلمة التقوى، ومنهم من يُعرفها بكلمة الإخلاص. مكانتها في الإسلام مقدسة وأهميتها عند المسلمين عظيمة، بها قامت السموات والأرض، ولأجلها جاءت السُّنة والفرض، وبفضلها ينجو المسلم يوم العرض. مَن قالها بلسانه وصدقها بقلبه وطبَّقها بأفعاله، دخل الجنة يوم القيامة وكان من الفائزين. يتعلق الأمر بالركن الأول من أركان الإسلام الخمسة أي الشهادتان.

تعريف الشهادتين

الشهادتان لغةً التلفظ بقول (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله). وشرعا هي الركن الأول من أركان الإسلام الخمسة وأصل الأعمال الروحية كلها. فهي مفتاح الإيمان وبوابة التقوى وأول ما ينطق به العبد عند دخول الإسلام الذي لا يتم إلا بها. ولا تصح الشهادتان بمجرد نطقها باللسان، وإنما بتصديق القلب لها وترجمة الفعل لمعناها دون شك أو ريب، مصداقا لقوله تعالى في سورة الحجرات: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا}.

مقتضيات الشهادتين

تقتضي الشهادتان الإقرار بأنْ لا وجود في العالَم لإله يستحق العبادة والخضوع والاستسلام سوى الله سبحانه وتعالى، وأن لا خالق لهذا الكون الشاسع بأرضه وسماواته وما بينهما سواه سبحانه. كما تستلزم الشهادتان الاعتقاد الراسخ بأنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم هو النبي الأمي الذي بعثه الله تعالى إلى البشرية جمعاء رحمة بها، ليُخرِج الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد.

أسس الشهادتين

تنبني الشهادتان على نقطتين أساسيتين على كل مسلم ومسلمة الانتباه لهما والعمل بهما كي يَصِحَّ إسلامه ويُقبَل عمله. وهاتين النقطتين هما الإخلاص لله سبحانه وتعالى في العبادة والطاعة والخضوع والامتثال، واتباع سُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم من خلال تصديق كلامه وأحاديثه، وطاعة أوامره، واجتناب نواهيه، مصداقا لقوله تعالى في سورة آل عمران: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}.

أركان الشهادتين

تتكون الشهادتان من شِقَّين اثنين؛ شهادة متعلقة بالله، وأخرى بمحمد صلى الله عليه وسلم. فأما الشهادة المتعلقة بالله فهي (أشهد أن لا إله إلا الله) ولها ركنان أولهما النفي وهو إلغاء الاعتقاد بوجود إله آخر غير الله. وثانيها الإثبات وهو الإقرار باستحقاق الله للعبادة وحده دون سواه. وأما الشهادة المتعلقة بمحمد صلى الله عليه وسلم فهي (أشهد أن محمدا رسول الله) ولها ركنان هي الأخرى؛ أولهما نفي الإفراط في حقه من خلال الاعتقاد بأنه بشر مخلوق مما خلق منه سائر البشر يجري عليه ما يجري على الناس جميعِهم. وثانيها نفي التفريط في حقه من خلال الإيمان بأنه رسول الله إلى الناس أجمعين بشيرا ونذيرا. وهو بهاتين الصفتين الكريمتين سيد الخلق وأكملهم صلوات الله وسلامه عليه.

شروط الشهادتين

شروط الشهادتين سبعة إذا غاب أحدها سقطت شهادة العبد ولم تُقبل منه. وأول هذه الشروط العلم بمعنى الشهادتين نفياً وإثباتاً من خلال معرفة نفيها لوجود أنداد لله، وإدراك إثباتها لوحدانيته سبحانه وتعالى ولنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. وثانيها استيقان القلب بمعناها ومدلولها دون شك أو ارتياب. وثالثها الانقياد لها والاستسلام لما جاءت به والامتثال له. ورابعها القبول بما جاءت به من أحكام وتقريرات. وخامسها الإخلاص فيها بتطهير القلب والنفس من كل أنواع الشرك وعدم استعمالها لأغراض دنيوية زائلة. وسادسها الصدق؛ أي تصديقها بالقلب واللسان معاً. وسابعها المحبة أي محبة كلمة التوحيد ومحبة مدلولها، ومحبة العاملين بمقتضياتها.

فضل الشهادتين

للشهادتين فوائد عظيمة وفضائل جليلة أبرزها العتق من النار ودخول الجنة بإذن الله. ومن ذلك ما ورد عن النبي في حديث البطاقة الذي صححه الألباني: (إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمتك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب ! فيقول: أفلك عذر؟ قال: لا يا رب. فيقال: بلى؛ إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، فيقول: أحضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تُظلَم، قال: فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء).

بقلم: محمد رياض

مشاركة هذا المقال:

تعليقات