حلب تحترق

حلب تحترق

بين قسوة الأطراف المتناحرة في سوريا وصمت المجتمع الدولي أو تواطئه مع هذه الجهة أو تلك، تحترق سوريا، فيتحول أطفالها ونساؤها إلى حطب يستخدمه أصحاب القرار لحرق أوراق بعضهم البعض، ويصبح رجالها رمادا يدفن تحته المتناحرون على الأرض نزعاتهم التسلطية السادية، وميولاتهم الإجرامية غير العادية. فمنذ اندلاع الثورة السورة قبل أزيد من خمس سنوات كان الأبرياء ولا يزالون الحائط القصير في لعبة شد الحبل بين الجيش النظامي والمعارضة المسلحة، ومنذ ذلك الوقت أيضا كانوا ولا يزالون أكبر الخاسرين في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

واليوم وبعد كل هذا الدمار والخراب، تأبى آلة الحرب الأهلية أن تتوقف، وترفض ماكينة القتل الهمجية أن تمتثل لنداء العقل وصوت الضمير، فتخرق هدنة وقف إطلاق النار، ومعها يسقط المدنيون مرة أخرى، ليعيد التاريخ نفسه، ويكرر الفاعلون السياسيون والعسكريون أخطاءهم الفادحة وعثراتهم التي لا تُغتفر. فقبل أيام مضت، استفاق سكان حلب على وقع غارات جوية استمرت ولا تزال مستهدفة عددا من النقط الحيوية أبرزها مشفى "القدس" الذي كان ملاذا لتضميد جراحات الحلبيين وتسكين آلامهم، ليتحول إلى مقبرة جماعية تضم مئات الشهداء والجرحى من المدنيين معظمهم أطفال وأطباء وممرضون.

وبالموازاة مع ذلك، امتد الاقتتال بين القوات النظامية والمعارضة المسلحة ليشمل مناطق واسعة من سوريا حيث تجددت المناوشات والاشتباكات بين الطرفين في الغوطة الشرقية في ريف دمشق وفي بلدتى شبعا ودير العصافير وغيرهما ليتواصل سقوط عشرات الضحايا من المدنيين الأبرياء، وليستمر مسلسل نزوح الناجين نحو الحدود بحثا عن الحد الأدنى الممكن للعيش في أمن وسلام وسكينة.

وفي خضم هذا الوضع المقلق، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورا فظيعة لمخلفات الغارات الجوية على حلب وغيرها من المناطق السورية معربين عن غضبهم واستيائهم، وأنشأ آخرون هاشتاغات متنوعة بعناوين مؤثرة من قبيل "#أنقذوا_حلب" و"#حلب_تحترق"، و" #سوريا_تحترق"، وذلك في محاولة للفت انتباه الرأي العام المحلي والدولي لمجزرة حلب بصفة خاصة وللمجازر المرتكبة في حق الشعب السوري بصفة عامة.

ولم يتوقف شجب هذه المجازر على العالم الافتراضي فحسب بل تعداه ليشمل وقفات احتجاجية واقعية بعدد من المدن العربية والدولية. يأتي ذلك في وقت تكثفت فيه الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة السورية من خلال التحضير لعقد محادثات دولية فى برلين بمشاركة ألمانيا وفرنسا والأمم المتحدة والمعارضة السورية، وكذا الإعداد لعقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي فى نيويورك.

فهل تنجح هذه المساعي في إطفاء لهيب النيران الملتهبة في حلب وغيرها؟ أم يستمر الوضع كما هو ليحترق آخر ما تبقى من جسد سوريا العليل؟

مشاركة هذا المقال:

تعليقات