غزوات وانتصارات رمضانية
لأنه شهر عظيم ومتفرد، شكل رمضان على مر العصور مسرحا لغزوات إسلامية ضخمة، وفتوحات إنسانية كبيرة، حقق خلالها المسلمون أعظم الانتصارات وأرقى الإنجازات. فرغم ما يعنيه الصيام من امتناع عن الأكل والشرب طيلة النهار، ورغم ما يترتب عن ذلك من ضعف جسمي وتعب جسدي، إلا أن المسلمين في هذا الشهر أظهروا قوة لا مثيل لها، وعزما لا حد له، وشجاعة لا تعادلها شجاعة، فهزموا الأعداء رغم كثرتهم، وفتحوا البلدان رغم تَمنُّعِها، ورفعوا راية الإسلام خفاقة في سماء دول لم يكن أحد يجرؤ على الدخول إليها أو الاقتراب منها. ولعل السبب في هذا النوع من الشجاعة لدى المسلمين فهمهم لدلالات رمضان وأبعاده الخفية، واستخلاصهم لدروسه الروحية العميقة كالصبر والثبات والإصرار.
ولعل أكبرَ هذه الإنتصارات وأعظمَها، غزوة بدر الكبرى التي وقعت في 17 رمضان سنة اثنين للهجرة (624م). وهي غزوة انتصر فيها المسلمون على المشركين وحققوا خلالها مكاسب مادية ومعنوية هامة، والمثير في هذه الغزوة أن أعداد المسلمين فيها لم يتجاوز ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، في الوقت الذي تجاوزت فيه أعداد المشركين ألف رجل من قريش. وقد حقق المسلمون انتصارا آخر لا يقل أهمية تمثل في فتح مكة بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم. حدث ذلك في في رمضان من السنة الثامنة للهجرة (630م)، فمباشرة بعد نقض قريشٍ لعهدها مع المسلمين في صلح الحديبية، جهز النبي الكريم جيشاً من عشرة آلاف مقاتل لمواجهة المشركين، ومن هول المفاجأة استسلم رجال قريش ودخل المسلمون مكة دون قتال.
ولم تتوقف مسيرة انتصارات المسلمين خلال رمضان عند هذا الحد، ففي رمضان سنة 92 للهجرة (711م)، تمكن المسلمون من فتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد الذي عبر مضيق جبل طارق بمعية جنوده، فلما بلغ الضفة الشمالية أحرق سفنهم وخطب فيهم بحماس قائلا: "أيها الناس، البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس لكم إلا الصبر والله". وقد كان جنوده عند حسن الظن فصبروا مرتين، مرة على الجوع والعطش بسبب الصيام ومرة على التعب والألم بسبب المعركة، فكان لهم ما أرادوا وهو فتح الأندلس. وفي 26 من شهر رمضان سنة 583 للهجرة (1187م)، حقق المسلمون انتصارا آخر من خلال معركة حطين، وكان ذلك بقيادة السلطان الناصر صلاح الدين على حساب الجيوش الصليبية الغاشمة.
وبالإضافة إلى ما سبق، حقق المسلمون خلال شهر رمضان المبارك انتصارات وانجازات تاريخية أخرى، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، معركة القادسية في رمضان سنة 15 للهجرة بقيادة سعد بن أبي وقاص، ومعركة عين جالوت في رمضان سنة 685 بقيادة السلطان قطز الذي تمكن من إيقاف زحف المغول في الأراضي الإسلامية، وانتصار العرب على إسرائيل في رمضان سنة 1393هـ. وهناك غزوات وفتوحات رمضانية أخرى كفتح أنطاكية وقبرص وفتوحات بلاد الهند والسند، والتي أتت أكلها بفضل بركات هذا الشهر الكريم وشجاعة المسلمين فيه، والذين لم يقف الصيام عائقا أمام إيمانهم القوي وطموحاتهم الضخمة.
تعليقات