رمضان شهر عبادة بعيدا عن السهر والسمر والمسلسلات
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، كان رمضان شهرا خاصا بالعبادة والعمل والاجتهاد، أما في عصرنا الحالي، فقد تغيرت الصورة وانقلبت الموازين واختلت المفاهيم، وتحول الاستعداد الروحي لهذا الشهر العظيم، إلى استعداد فني وترفيهي، يتنقل خلاله الناس بين القنوات الفضائية العربية والعالمية بحثا عن الأغاني والأفلام والمسلسلات، عوض التنقل بين دور العبادة بحثا عن الأجر والثواب والحسنات، ويسهرون في المقاهي والشواطئ لهوا وابتذالا، عوض قيام الليل في البيوت والمساجد طاعة لله وامتثالا، ولا يَحِيدُ عن هذه القاعدة الشاذة إلا من رحم الله.
إن المتأمل لحال الناس في رمضان هذه الأيام، لا يمكن إلا أن يشعر بالأسف ويجتاحه الحزن ويعصره الألم، فهذه سيدة تنتظر على أحر من الجمر الحلقة التالية من مسلسلها الفني، وهذا رجل ينتظر بفارغ الصبر صديقه في مقهى شعبي، وتلك فتاة تقضي وقتها بعد صلاة المغرب في التسوق العصري، وذاك شاب ضرب موعدا مع شلته من أهل السوء في منتجع ليلي، وكأن الشهر عادي كباقي شهور السنة، لا شيء فيه يغريهم بالعبادة، ويحثهم على الطاعة، ويشجعهم على بذل الجهد للتقرب من الله سبحانه وتعالى.
صحيح أن الزمن تغير والوقت تَبدَّل، لكن دين الله لا يتبدل وشرعه سبحانه وتعالى لا يتغير، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان أيما اجتهاد مع أن الله سبحانه وتعالى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيقوم الليل كثيرا، ويواظب على الذكر وقراءة القرآن، ويبكي بين يدي الله بالليل والنهار خوفا وطمعا، وهو القائل في الحديث الشريف: (مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه). فأين الاجتهاد في العبادة في زمن الأفلام والمسلسلات، وأين الصبر على الطاعة في عصر أصبح فيه رمضان شهرا لمشاهدة أحدث الأفلام، والاطلاع على أضخم المسلسلات، وتزجية الوقت في اللهو واللعب والسهرات.
أين رجال اليوم من الصحابة وهديهم، ومن الصالحين واجتهادهم، فقد كان الإمام الشافعي يختم القرآن ستين مرة في رمضان، وكان الإمام أحمد يغلق الكتب ويقول هذا شهر القرآن، وكان سعيد بن المسيب رحمه الله يخاطب نفسه كلما دخل الليل فيقول: "قومي يا مأوى كل شر والله لأدَعَنَّكِ تزحفين زحف البعير"، فيقوم الليل كله حتى تنتفخ قدماه فيناجي نفسه: "بهذا أُمرت ولهذا خُلقت". إن للمسلم في هؤلاء لعبرة حسنة، فما رمضان سوى شهر يمر وينقضي كما تنقضي الأيام والأعمار، وليس للمؤمن منه سوى ما قدمت يداه، فمن اجتهد فيه بالعبادة فقد فاز، ومن لم يفعل فعليه بمراجعة النفس، ومحاسبة الذات، والعمل على استغلال هذا الشهر العظيم فيما يعود عليه وعلى الأمة الإسلامية بالخير والمنفعة.
تعليقات