مع النبي الكريم في رمضان
لأن رمضان فرصة العمر التي قد لا تتكرر، يسارع المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها إلى اغتنام أجره بجميل الطاعات، واستثمار ثوابه بحسن العبادات، وأفضلُ من يُقتدى به لهذه الغاية، خير البرية وسيد البشرية، محمد عليه أزكى الصلاة وأطيب السلام، مصداقا لقوله تعالى في سورة الأحزاب: {لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لِمن كان يرجو الله واليوم الآخِر وذكَر الله كثيرا}. فقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم هديٌ خاص في رمضان، وكان برنامجه في هذا الشهر مختلفا عن سائر الشهور والأيام.
فقد كان النبي الكريم في كل ليلة من رمضان على موعد روحي مع جبريل عليه السلام، يلقاه فيُدارسه القرآن الكريم ويعرضه عليه، يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل، ويقرأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن خلال هذه العملية يُثْبَت الْمُحكَم، ويُنسَخ المنسوخ. وكان النبي الكريم يزداد جُوداً وكرَماً عقب كل لقاء بجبريل عليه السلام، فكان -كما وصفته أمنا عائشة رضي الله عنها- أجوَد بالخير من الريح المرسلة، يتصدق على الفقراء والمحتاجين، ويُعِين الضعفاء والمساكين، ويقدم يد المساعدة لليتامى والأرامل والمحزونين.
وكان النبي الكريم يحرص على التعجيل بالإفطار وتأخير السحور، فمباشرة بعد غروب الشمس وقبل أن يصلي المغرب، كان صلى الله عليه وسلم يفطر على الرطب أو التمر أو الماء، وقد نصح أمته بالاقتداء به في ذلك فقال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر). كما كان يحرص على السحور ويحث عليه أهله والمسلمين معهم، وهو القائل في الحديث الشريف: (تسحروا فإن في السحور بركة)، وكان من سنته صلى الله عليه وسلم تأخير السحور إلى ما قبل صلاة الفجر بوقت يسير.
وعن صلاة التراويح في رمضان كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إحدى عشرة ركعة لا يزيد ولا ينقص عنها شيء كما روت أمنا عائشة رضي الله عنها، فكان يصلي أربع ركعات لا مثيل لهن في الحسن والطول والخشوع، وأربع مثلهن تماما، ثم يصلي ثلاث ركعات، وقد لاحظت أمنا عائشة كثرة صلاته وقيامه واجتهاده في الليل قبل النهار، فسألته صلى الله عليه وسلم قائلة: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال: (يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي).
وكان النبي الكريم يجتهد في أواخر رمضان أكثر من غيرها، فإذا دخلت العشر الأواخر شدَّ مئزره، وشمَّر عن ساعد الجد والعمل، وأحيا ليله بالصلاة والقيام والدعاء، وكان يوقظ أهله ويشجعهم على العبادة ويحثهم على بذل الجهد كي ينالهم من الأجر نصيبهم، ومن الثواب ما قسمه الله لهم، كما كان صلى الله عليه وسلم ينعزل عن الناس في العشر الأواخر من رمضان ويتفرغ للعبادة، فيعتكف في المسجد مناجيا ربَّه، يصلي النهار شاكرا وذاكرا، ويقوم الليل داعيا ومبتهلا ومتضرعا.
تعليقات