بلدة "مضايا"، قصة حصار وخراب ودمار !

بلدة "مضايا"، قصة حصار وخراب ودمار !

قبل اندلاع الثورة السورية، كان سكان بلدة "مضايا" الواقعة شمال غرب دمشق يعيشون في هدوء وأمن وسلام. بعد الثورة، انقلبت الصورة وتغير الوضع عندما امتدت يد الحرب الأهلية لتطال هذه الرقعة الجغرافية من سوريا مُخلِّفةً جرحا لا يندمل، وجعا لا يشفى، وخرابا نفسيا وماديا يصعب ترميمه ونسيانه. واليوم وبعد سنوات من الاقتتال والمعارك الدائرة رحاها في "مضايا" وما حولها، يجد سكان هذه البلدة الصغيرة أنفسهم وسط حصار عسكري مُحكَم فرضته عليهم الأطراف المتناحرة في سوريا، والنتيجة مؤسفة، سوء تغذية، قلة أغطية، انعدام أدوية، وأرواح بريئة يحصدها الجوع صبحا وعشية. وفوق هذا وذاك، موقف دولي متذبذب، وغياب لمبادرات جِدية تُقنع المسؤولين عن الحصار بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية.

فباستثناء اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمة الهلال الأحمر السوري اللتين تم السماح لهما بإدخال الاحتياجات الإنسانية الضرورية إلى البلدة على فترات متقطعة ومحدودة وتحت حراسة أمنية مشددة، تضغط الأطراف المتناحرة في سوريا على بعضها البعض بورقة الحصار والتجويع، لكن الأبرياء - كما في جميع الحروب - وحدهم يدفعون الثمن. وفي ظل هذه الظروف الصعبة والمخجلة، لم يجد أهالي "مضايا" وسكانها خبزا يسد رمقهم، ماءً يروي ظمأهم، غطاءا يخفف من قسوة البرد عليهم، وموقفا مشرفا يعيد كرامتهم ويحفظ إنسانيتهم، فتخلَّوْا مكرَهين عن فطرتهم الآدمية، وقرروا على غير العادة أكْلَ كل ما يقع تحت أيديهم وأقدامهم كالحشائش، وأوراق الشجر، ولحوم القطط والكلاب وهلُمَّ جَرّاً. ومنهم من لجأ إلى استخدام أثاث المنازل عوضا عن الحطب لعدم توفره.

ورغم هذه المحاولات البئيسة للتشبث بالحياة، أودت المجاعة - خلال الشهر الماضي فقط - بحياة بأزيد من 46 شخصا من سكان هذه البلدة وقاطنيها الذين ارتفع عددهم قبل الحصار من تسعة آلاف إلى أزيد من أربعين ألف نسمة بسبب نزوح آلاف الأسر من مدينة الزيداني المجاورة والتي تعاني بدورها من ويلات الحرب والحصار والدمار. كما أدت المجاعة إلى إصابة مئات الأشخاص بسوء التغذية وعدد من الأمراض المرتبطة بنقص الغذاء، إضافة إلى تسجيل حالات الإغماء بشكل يومي خاصة في صفوف الأطفال والشيوخ والنساء. ويرى المراقبون الدوليون أن هذا الوضع قد يزداد سوءا إذا لم يتحرك المجتمع الدولي بقوة وبسرعة لكسر هذا الحصار، وإعادة الحياة لسكان "مضايا" الذين أرهقهم الجوع، وأنهكهم المرض، وجنى عليهم صراع سياسي لا ناقة لهم فيه ولا جمل.

مشاركة هذا المقال:

تعليقات