ليلة القدر فضلها وأهميتها

ليلة القدر فضلها وأهميتها

من مميزات الدين الإسلامي الحنيف أن فيه أشهُراً أفضل من أخرى، وأياما أحسن من غيرها، وليالٍ خيرا من كل الليالي والشهور والأعوام، ومن ذلك ليلة القدر المباركة التي أُنزِل فيها القرآن الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والتي ذكَرها الله تعالى في كتابه العزيز مُنوِّهاً بأهميتها البالغة ومكانتها الرفيعة فقال : {إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر. تَنَزَّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. سلام هي حتى مطلع الفجر).

وفي هذا التنويه الإلهي والتشريف الرباني، إشارات ودلالات عميقة تحيلنا على عظمة هذه الليلة التي تغمر نفحاتها الدينية قلوب المسلمين قبل عقولهم، وتلفح نسماتها الروحية مشاعرهم وأحاسيسهم، فتزداد العبادات والطاعات فيها حلاوة، ويتحول التعب والإرهاق المترتب عنهما إلى متعة لامثيل لها، وبذلك تتضاعف الأعمال فترتفع الدرجات، وتُغفَر الذنوب فتُمحى الدَّرَكات، وتَعمُّ رحمة الله الواسعةُ عبادَه الساهرين على أبوابه، الواقفين على عتباته، والراغبين في القرب منه بالذكر والصلاة والدعاء، فلا تنتهي الليلة إلا وقد عُتِقت رقابهم من النار، وكُتِبوا من أهل الجنة لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.

وتتمثل عظمة هذه الليلة المباركة كذلك، في تشريفها بنزول القرآن الكريم على رسولنا صلى الله عليه وسلم في غار حراء، وتفضيل الاجتهاد فيها بالعبادات والطاعات على ما دونها من الليالي ولو في ألف شهر، وتَنَزُّلُ الملائكة خلالها بالسلام والسكينة والاطمئنان حتى طلوع الفجر، فكيف للمسلم أن لا يتحرى هذه الليلة في العشر الأواخر من رمضان، وكيف له أن لا يضحي بوقته وجهده وتعبه في سبيل إدراكها لاغتنام أجرها والفوز بثوابها الذي يعادل ثواب العبادة في ثلاث و ثمانين سنة وأربعة أشهر، وهو عمر افتراضي قد لا يعيشه الإنسان فعليا، لكنه ينال ثوابه كما لو عاشه إن هو أدرك هذه الليلة المقدسة واجتهد فيها بالعمل الصالح.

ولأنها ليلة مباركة عظيمة، فإن فضلها كذلك مبارك وعظيم، ومن ذلك أن قيام الليل فيها له أجرٌ كأجر الحج، أيْ مغفرة ما تقدم من الذنوب كيفما كانت، وتكفير السابق من الخطايا مهما عظُم. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح قوله: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه). لذلك يُنصح المسلم بِالْتماس هذه الليلة في العشر الأواخر من رمضان و يرجح بعض العلماء أن تكون في الليالي الفردية و خاصة ليلة السابع والعشرين.

وقد اتفق أهل العلم على وجود حِكم ربانية وراء إخفاء هذه الليلة في العشر الأواخر من رمضان، ومن ذلك تمحيص المسلمين وتبيان الصادقين منهم في طلبها من المتكاسلين، لأن المسلم الحق لا يتوانى عن الاجتهاد في العشر الأواخر كلها لضمان إدراكها، وبذلك يكثر عمله ويزداد أجره ويتضاعف ثوابه. فلنجاهد أنفسنا لإدراكها ولنتذكر أن التعب ينتهي والإرهاق ينقضي، ونحن بدورنا سنرحل يوما وننقضي، ولا يبقى لنا يومَ القيامة سوى العمل الصالح، فطوبى لمن أدرك ليلة القدر واجتهد فيها، وبشرى لمن تُقُبِّلَ منه العمل فيها فهو من الفائزين.

مشاركة هذا المقال:

تعليقات