الإرهاب لا دين له، والإسلام بريء منه
يعيش العالم هذه الأيام على وقع عمليات إرهابية شعارها القتل والدمار وهاجسها الخراب والبوار، فلا الأطفال سَلِمُوا من أياديها القذرة، ولا الشيوخ أخطأتهم ضرباتها الغادرة، ولا الأبرياء ذكورا وإناثا أفلتوا من تداعياتها الخطيرة وعواقبها المريرة، ليتحولَ العالم بأَسْرِه إلى حلبة لصدامات سياسية، وصراعات مذهبية، وتَطاحُنات عرقية، عَرَفنا من خلالها كيف تَهُون أرواح البشر على البشر، وكيف تَرخُص نفوس الناس على الناس، فإذا المدنيون صرعى برصاصات الخسف، وإذا الأبرياء شظايا بأحزمة النسف، وإذا البيوت والأحياء أطلال تحت قنابل القصف، وإذا أصابع الاتهام موجهة للإسلام بطرق يستعصي فيها الفهم والوصف.
فمنذ هجمات 11 سبتمبر سنة 2003 التي ضربت مركز التجارة العالمية بنيويورك، وما تلاها من عمليات إرهابية استهدفت لندن ومدريد وستوكهولم وتونس ولبنان ومصر والمغرب والسودان ومناطق أخرى من العالم، وانتهاءً بالعاصمة الفرنسية باريس التي طالتها يد الإرهاب في الآونة الأخيرة، كانت أصابع الاتهام ولا تزال موجهة نحو الإسلام والمسلمين بعد كل عملية، لدرجةٍ صارت معها كلمة "الإرهاب"مرادفة للإسلام، وهي تهمة جائرة في حق هذا الدين، وسُبَّة مجانية أساسها أحكام جاهزة لا تتبين الحق من الباطل ولا الصواب من الخطأ، وتجهل سماحة الإسلام ونبذَه لكل أنواع الإرهاب، بدءا بالعنف الكلامي وانتهاءاً بالقتل، مصداقا لقوله تعالى: {من قَتَلَ نَفساً بِغَيْرِ نفسٍ أَوْ فَساد في الأرض فكأنما قَتل الناسَ جميعا}.
فالإسلام يندد بالإرهاب ويَشْجُبه، ويوصي الناس بالحرص على نفوس الآخرين وأرواحهم بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية والسياسية، ولم يسمح بالقتل إلا ضِمنَ شروطٍ ضيقة جدًّا، وهي شروط يجري العمل بها في جميع قوانين العالم. وهو دين تعايش وحوار وتعارف بين الناس ما لم يعتدوا، مصداقا لقوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}، ويذهب الإسلام في سماحته أبعد من ذلك فيحثنا على الصبر على أذى الناس وسوء معاملتهم لنا، ويدعونا إلى الرد بالمثل فقط، مصداقا لقوله تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}.
ومن الأسباب التي أدت إلى شيوع ظاهرة الإرهاب في المجتمعات الحديثة، انتشار الحروب والصراعات السياسية بين دول العالم لأسباب اقتصادية وتوسعية، وظهور الفكر التكفيري والغلو الديني، وغياب الحوار بين المذاهب والثقافات والحضارات. ففي الماضي مثلا، كانت الحروب تجري بين الجيوش في ساحات معزولة بعيدا عن المدنيين وفق قواعد وأعراف يلتزم بها الغالب والمغلوب، أما اليوم فقد تحولت الحروب إلى قصف عشوائي لا يميز بين مدني وعسكري ويكون ضحاياه في الغالب من الأبرياء. وفي الماضي أيضا، كان العالم الإسلامي ينعم بحرية واسعة تشجع على النقاش والحوار والاجتهاد، فألَّف الناس الكتب والمجلدات، وجادلوا المخالفين لهم بالكلمة الطيبة والرأي الحسَن، فحصلت الحوارات بين أتباع المذاهب المختلفة، وغابت الاعتداءات بمختلف أنواعها، وشاعت ثقافة التسامح وتقبل الآخر، أما اليوم، فقد تحول الانتماء لمذهب ما إلى تعصب فكري ينتصر لرأيه بالقوة والسلاح، ويواجه المخالفين بالوعيد والتهديد والقتل.
إنه لَمِن المؤسف أن يرتبط مفهوم الإرهاب بالإسلامِ والإسلامُ منه براء، وإنه لَمِن المحزن أن تبرر الجماعات الإرهابية عملياتها التفجيرية بالدفاع عن الإسلام ومقدساته، وإنه لَمِن المخجل أن تُسَوِّق وسائل الإعلام العربية والغربية لهذا النوع من الإجرام على أنه سلعة إسلامية مَحضة، وإنتاج عربي صِرف. والواقع أن الإرهاب ظاهرة عالمية بدأت في أوروبا مع الألوية الحمراء والجيش الجمهوري الإيرلندي والحركات الانفصالية في إقليم الباسك وغيرها، ثم انتشرت وتنامت وأخذت طابعا رسميا في حالات كثيرة أبرزها استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للأسلحة النووية ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية، وارتكاب الاحتلال الإسرائيلي لمجازر وحشية في حق الفلسطينيين، إضافة إلى الإبادات العرقية في كوسوفو ويوغوزلافيا وإفريقيا وعدد من المناطق عبر العالم. فالإرهاب عمل جبان لا علاقة له بالإسلام، وفعل شنيع يتنافى مع الفطرة السليمة والسلوك الحضاري، وهو بذلك لا دِين له.
تعليقات