صحتي في رمضان
من المفارقات الغريبة التي تعرفها مجتمعاتنا العربية والإسلامية خلال شهر رمضان الكريم، تهافتُ الناس على اقتناء ما لذَّ وطاب من المأكولات والمشروبات، وإكثارهم من تناولها بين فَترتَيْ المغرب والسحور إلى حد الإسراف أحيانا، وهو ما يتنافى مع المبادئ السامية للإسلام من جهة، ومع الحقائق الطبية والعلمية من جهة أخرى والتي جاء الصوم لتأكيدها مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (صوموا تَصِحُّوا).
صوموا تصحوا، نصيحة عظيمة من الرسول الكريم لأمته العزيزة، مفادها وجود ارتباط وثيق بين الإمساك المؤقت عن الأكل والشرب وغيرهما من المفطرات وبين الصحة السليمة في مختلف درجاتها. وإذا كان الإمساك عن الأكل والشرب خلال رمضان ينتهي بأذان المغرب، فإن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن يجلس المسلم أمام مائدة الأكل بغرض الانتقام من الوجبات التي فاتَتْه خلال النهار وتعويضها بضِعفها أو أكثر، بل القصد أن يأكل المسلم بالقدر الذي يدفع جوعه ويُذهِبَ ظمأه دون إفراط أو تفريط.
صوموا تصحوا، شعار يرفعه كل مسلم ومسلمة خلال رمضان طاعةً للرحمان أولا، وطمعاً في رحمته ثانيا، وصبراً على الشهوات والمفطرات ثالثا ورابعا وعاشرا، فرمضان شهر الصوم والعبادة والتسابق إلى فعل الخيرات والصالحات، لا شهر التخمة والبذخ والتهافت على المأكولات والمشروبات، وهو شهرٌ لإرضاء الرحمان بالصوم وقراءة القرآن والأحاديث والمُتون، لا شهر لإرضاء البطون وحَشْوِهَا باللحوم والشحوم والدهون، وهو شهر لترويض النفس الأمارة بالسوء وتعويدها على الصبر والحرمان، لا شهر للانقياد خلفها وإطاعتها بعد المغرب بموائد البذخ وحفلات شواء العجول والخرفان.
صوموا تصحوا، أمر نبوي يتناغم مع ما توصل إليه العلم الحديث في مجال الصحة النفسية والجسدية، فالصوم من حيث هو امتناع مؤقت عن المفطرات بما في ذلك الأكل والشرب، يمنح راحة مؤقتة للجهاز الهضمي المُتْعَب طيلة أيام السنة خاصة المعدة والأمعاء، ويساعد في تنشيط خلايا الجسم بوتيرة أسرع، كما يريح الكليتين والجهاز البولي بسبب انخفاض الفضلات المنطرحة من الجسم، ويساعد المدخنين على الإقلاع عن التدخين بسبب امتناعهم عنه طيلة فترة الصوم، لكن ذلك كله مشروط بعدم الإفراط في المفطرات بعد آذان المغرب، وإلا فلا فائدة من إراحة الجهاز الهضمي نهارا وإرهاقه بالأكل والشرب ليلا.
صوموا تصحوا، نصيحة تفرض بالإضافة إلى ما سبق، الحرص على سلامة الجسم أثناء الصيام وعدم تعريضه للتهلكة، ويتأتى ذلك بالإكثار من شرب السوائل خلال الليل، والمواظبة على تناول وجبة السحور، والابتعاد عن المأكولات شديدة الملوحة التي تعطي إحساسا بالعطش خلال النهار، ومن كان مريضا أو له عذر شرعي فهو غير معني بالصوم أصلا، لأن الصيام من شأنه أن يزيد من وطأة المرض عليه، وقد تكون له مضاعفات وخيمة، لذلك ينصح أهل العلم كل مريض بالاستشارة مع الأطباء حول قدرتهم على الصوم من عدمها، فالله لطيف بالعباد لا يكلف نفسا إلا وسعها.
تعليقات