رمضان شهر التوبة والتغيير

رمضان شهر التوبة والتغيير

كان شهر رمضان ولا يزال وسيظل فرصة دائمة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها للتوبة من ذنوبهم وخطاياهم وتغيير تصرفاتهم وسلوكاتهم بما فيه مصلحة آخرتهم ودنياهم. ففي هذا الشهر الكريم، تُفتح أبواب الجنة وتُقفل أبواب النار، فيُغفر للصائمين العابدين، ويُستجاب للتائبين النادمين. وفي رمضان أيضا تتغير العادات الغذائية والبيولوجية من أكل وشرب ونوم وما شابه ذلك، فيُلزم المسلمون أنفسهم بأمور إيجابية كالتقليل من الأكل، والابتعاد عن اللغو، وعدم الرد على الإساءات اللفظية وغير ذلك كثيرٌ. وفي هذا الإلزام مجاهدة للنفس ومساعدة لها على التغيير نحو الأفضل.

ومن مقومات التغيير الإيجابي، الصبر الجميل على المكاره، والعزيمة القوية على تخطي الصعاب، والمداومة على الأعمال الصالحة وإن قَلَّت، وتنظيم الوقت، والاقتداء بالصالحين. ولا تكاد تجتمع هذه المقومات إلا في رمضان. ففي هذا الشهر الكريم، يصبر المسلم على الجوع والعطش وقلة النوم مثلما يصبر على أذى الناس وأخطائهم في حقه، وفي هذا الشهر أيضا، يعزم على ترك الملاهي رغم إغراءاتها، وقيام الليالي رغم صعوبتها، ومغالبة النفس رغم مشقتها، وفي هذا الشهر كذلك، يحرص على الذكر والدعاء والصدقة، وينظم وقته فيخصص قسما منه للعبادات والطاعات وقسما آخر لأعمال الخير والبر وقسما ثالثا لراحته النفسية والجسدية، مقتديا في ذلك بالنبي الكريم وصحابته والتابعين من بعدهم.

والمسلم الذكي، هو الذي يستثمر هذه المقومات وغيرها فيطبقها في رمضان ويداوم عليها بعد انتهائه وانقضائه، وإلا فما فائدة التغيير نحو الأفضل في شهرٍ والعودة للأسوأ في ما تبقى من أيام السنة وشهورها؟ والباحث عن التغيير الإيجابي الذي يعود عليه وعلى أمته بالخير في الدنيا وفي الآخرة مُلزَم بتعزيز نقاط قوته، وتحسين نقاط ضعفه بما يتناسب مع طاقاته وقدراته ومؤهلاته النفسية والجسدية. فلا يكلف نفسه فوق طاقتها، ولا يجهد جسمه فوق قدرته، وفي الوقت نفسه لا يكون عبدا لنفسه الأمارة بالسوء ولا فريسة سهلة لشهواته ونزواته ورغباته السلبية كالكسل والتراخي والخمول.

ولتحقيق ذلك، يحتاج المسلم أحيانا لمحفزات داخلية وأخرى خارجية، وهذه المحفزات موجودة في رمضان أكثر من غيره. ففي هذا الشهر يعفو الله عن الجاهلين ويغفر للتائبين ويأخذ بيد الغافلين، ويعد الصائمين والقائمين بمغفرة الذنوب ودخول الجنة. وهي محفزات داخلية تزيد من همة المسلم وإقباله على العبادات والطاعات بنشاط وحيوية. وفي شهر رمضان أيضا تمتلئ المساجد بالمصلين، وتكثر حلقات الذكر، وتنتشر المبادرات الخيرية والإحسانية في كل مكان، وهي محفزات خارجية تُشعِر المسلم بصلاح المجتمع والناس من حوله، فيندمج في هذه البوثقة ويقبل على فعل الخيرات بنية صادقة وإحساس لا مثيل له.

ولأن التغيير للأفضل يكون بالتكرار، حيث يرى المختصون أن الإنسان يحتاح من 6 إلى 21 يومًا ليعتاد على سلوك جديد، فرمضان هو الفرصة المثالية لتحقيق التغيير المنشود، لأنه يمنحنا من 29 إلى 30 يوما لتكرار السلوكات الإيجابية المذكورة آنفا. فلنجعل من هذا الشهر الكريم قنطرة نعبر من خلالها نحو التغيير الإيجابي والدائم والمستمر. ولنتذكر قوله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: [إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم]، فلنغير أنفسنا ليتغير المجتمع والناس من حولنا نحو الأفضل والأحسن والأجمل.

مشاركة هذا المقال:

تعليقات