رمضان شهر عبادة وعمل فلا للكسل

رمضان شهر عبادة وعمل فلا للكسل

من المفارقات التي يأتي بها بعض الناس في رمضان، تكاسُلهم عن العمل وتخاذلهم في أداء واجباتهم الشخصية والمهنية بدعوى أنهم صائمون لله. وبتصرفهم هذا يُضيِّعون حوائجهم وحوائج الناس فلا يقضونها، ويفوتون فرصا على أنفسهم وعلى العباد لا يدركونها، ويهددون مصالحهم ومصالح أقوام لا يعرفونها، فيكونون كمن يسكب الماء في الرمل، يطيعون الله بالصيام من جهة، ويَعصُونه بالكسل والخمول من جهة أخرى، متناسين أن العمل كالصوم من جملة المأمورات في قوله تعالى: {وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون} وقوله صلى الله عليه وسلم عندما شاهد يد رجل تظهر عليها آثار العمل: (هذه يدٌ يحبها الله ورسوله).

فالإسلام بوصفه دينا شاملا وجامعا وصالحا لكل زمان ومكان، قرَن بشكل وثيق بين الإيمان والعمل ولم يُفَرق بينهما، فالإجتهاد في العمل من علامات الإيمان والتقوى، والسعي في الرزق كالجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، فكيف يكون مؤمنا من يجتهد في الصيام بالامتناع عن الأكل والشرب وسائر المفطرات ويتكاسل في العمل فلا يخدم نفسه ولا أهله ولا الناس من حوله، وكيف يكون طائعا من يمنع عن الجسد الأكل والشرب، ولا يمنع عن النفس الكسل في العمل والتراخي في قضاء أغراضه وأغراض الناس معه.

صحيح أن طاقة المسلم تقل بسبب الصيام، وصحيح أن الجسد يَضعُف بسبب الإمساك عن المفطرات، لكن المسلم الحق لا يَحول بينه وبين واجباته الدينية إرهاق ولا تعب، ولا يقف أمام التزاماته الدنيوية جوع ولا عطش، فالصبر زادُه في كل الظروف والأحوال، والهمة شعاره مهما كثرت عليه الأشغال. ولْيحرص على طلب الأسباب التي تعينه على الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الطاقة، وتُجنبه الحد الأدنى من التعب والإرهاق، ومن ذلك تأخير وجبة السحور إلى ما قبل الفجر بقليل، والإكثار من شرب السوائل خلال الليل، و تناول الأطعمة الصحية الغنية بالفيتامينات ونحوها، والابتعاد عن النشاطات البدنية غير الضرورية، وفوق هذا وذاك، التزود بالصبر واحتساب الأجر على الله.

فالعمل خصلة حميدة يجب على المسلم الاهتمام بها، والكسل صفة مذمومة يجدر به التبرئ منها، وما الصوم إلا شماعة يُعلق عليها البعض ضعف عزائمهم وقلة هممهم، فبالصوم ينال المسلم عظيم الأجر وجزيل الثواب، وبالعمل الديني والدنيوي يزداد الأجر ويتضاعف الجزاء وتقبل العبادة بإذن الله. ومن كان عمله شاقا لا يطيق معه الصيام لدرجة إذا تركه وتوقّف عنه من أجل الصيام لا يجد ما يعينه على الحياة الكريمة فله أن يستصدر فتوى من أهل الاختصاص. فهناك من أهل العلم من يُدخل الأعمال الشاقة في خانة الأعذار المبيحة للفطر، ويضعون لذلك عددا من الشروط المبنية على القاعدة الفقهية "الضرورات تبيح المحظورات". فلنجعل من رمضان فرصة للاجتهاد والعطاء والانتاج وليكن هذا الشهر فرصة لترك الكسل والخمول والتخلي عن كل ما من شأنه أن يعيق مسار التنمية الروحية والارتقاء الذاتي في أبعادهما الدينية والدنيوية.

مشاركة هذا المقال:

تعليقات