وها قد حلت العشر الأواخر

وها قد حلت العشر الأواخر

ها قد مضى ثلثان من رمضان وتبَقَّى منه ثلث واحد، وها قد حلت العشر الأواخر تلفح نسماتُها كلَّ صائم عابد، وتلمس نفحاتها كلَّ قائم ساجد، فإذا المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ترقبٌ وخضوعٌ وابتهال، وإذا الأجواء بين العباد طاعةٌ وخشوعٌ وامتثال، فالشهر عظيم والزمان مقدَّس، والأجر عميم للعابدين مخصَّص، والفوز لا شك حليف الصائمين، والفلاَح لا ريب نصيب القائمين، والجنة لا يمكن إلا أن تفتح ذراعيها لأفواج المسلمين والمسلمات، العارفين منهم بحق هذه الأيام والليالي المباركات، منهم من يطلب القرب من الرحمان، ومنهم من يسأله الفردوس والجِنان، ومنهم من يبتهل طلبا للعتق من النبران، فلنُشَمِّر عن سواعد الجد والعمل، ولنتخلص من الخمول والكسل عَلَّنا نظفر بأجر العشر الأواخر وثواب ليلة القدر.

ها قد حلت العشر الأواخر من رمضان، لِتُقدم لنا من الخير أجملُه، ومن الأجر أفضلَه، ومن الثواب أنعمَه، ومن المغفرة أحسنَها، ومن الليالي أعظمَها وأشملَها وأكملَها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. فما أسعدها من عَشْرٍ تَحُفُّنا نسماتها الملائكية، وتغمرنا بعطف أجواؤها الاستثنائية، وتتغير بها دنيا المسلم وآخرته نحو الأفضل، إذا غير نمط حياته فيها، وحرص على اغتنام أجرها وثوابها، واقتدى في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كانت حياته تختلف في العشر الأواخر من رمضان عما قبلها، فقد روت عنه أمنا عائشة رضي الله عنها فقالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله).

ها قد حلت العشر الأواخر من رمضان فلنغتنمها بالعمل الصالح حق الاغتنام، ولنعتصم فيها بحبل الله حق الاعتصام، ولنكن فيها أقوياء على العبادة، صابرين على الطاعة، مخلصين في النية والقصد، ولنجتهد فيها بالليل والنهار، سرا وعلانية، ولنذكر الله فيها قياما وقعودا وعلى جنوبنا، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها أيما اجتهاد وقد غفر الله ذنوبه، فقد روى مسلم في صحيحه فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره). وفي ذلك إشارة إلى قيمة العشر وعظمة فضلها وأهمية الإكثار فيها من الأعمال الصالحة والتقرب خلالها من الله سبحانه وتعالى للفوز بأجرها والظفر بثوابها وثواب ليلة القدر فيها.

ها قد حلت العشر الأواخر من رمضان، فلتقتدي فيها بخير البشر والأنام، محمد عليه الصلاة والسلام، ولنحرص على صحة صيامنا، وصلاح قيامنا، وتقبل صدقاتنا وزكاتنا، ولنذكر الله فيها أكثر مما نذكره في غيرها. ها قد حلت العشر الأواخر، فلنترك النوم والكسل، ولنهجر الملل والضجر، ولنوقظ أهلنا لقيام الليل وذكر الله في السَّحَر. ها قد حلت العشر الأواخر، فلنتفرغ لعبادة الواحد القهار، ولنعكف على تلاوة القرآن بالليل والنهار، ولنسارع إلى الخيرات بجميع أنواعها، وإلى الطاعات بشتى أصنافها عسى الله يرحمنا وفي جنان الخلد يدخلنا. ها قد حلت العشر الأواخر، فلننسى الدنيا ومشاغلها، والحياة وأعباءها، ولنعتكف في بيوت الله بخشوع، ولنتحرى ليلة القدر بخضوع، ولنسأله الرحمة لنا وللمسلمين، والمغفرة للناس أجمعين.

مشاركة هذا المقال:

تعليقات