ما حكم قراءة الحائض للقرآن الكريم؟

اختلف أهل العلم في موضوع قراءة الحائض للقرآن الكريم وانقسمت آراؤهم في هذا الصدد إلى ثلاثة توجهات رئيسية. فمنهم من يرى جواز قراءة المرأة للقرآن الكريم أثناء فترة حيضها شريطة عدم مس المصحف، ومن أشهر القائلين بهذا الرأي الإمام مالك، وأبو حنيفة، والإمام أحمد. ومنهم من يرى جواز قراءة المرأة الحائض لشيء من القرآن الكريم فقط شريطة عدم تجاوز آية أو آيتين، وقيل لا تُمنع الحائض من قراءة ما دون الآية. ومن أهل العلم من يقول بعدم جواز قراءة المرأة الحائض لأي شيء من القرآن الكريم مهما قَلَّ أو كثُر، ومن أشهر القائلين بهذا الرأي علماء الحنفية والشافعية والحنابلة.

ويستشهد القائلون بعدم جواز قراءة الحائض للقرآن الكريم بحديث ضعيف رواه الترمذي وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، قال: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن". وعن هذا الحديث قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (21/460): "وهو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث". ومن القائلين بعدم جواز قراءة الحائض للقرآن الكريم من قاس المسألة على الجُنب فاعتبر عدم جواز قراءة الجنب للقرآن الكريم موجبا لعدم جواز قراءة الحائض، لأن الحائض عليها حدث أكبر يوجب الغسل. وهو رأي انتقده كثير من العلماء أمثال فضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله الذي اعتبر هذا القياس في غير محله، لأن حالة الحائض غير حالة الجُنب بسبب تفاوت المدة الواجبة للتطهر منهما. فالحائض تكون ملزمة بانتظار بضعة أيام حتى تطهر، أما الجنب فيغتسل متى فرغ من حاجته ولا يبقى عليه حدث.

أما أدلة القائلين بجواز قراءة الحائض للقرآن الكريم فقد لخصها شيخ الإسلام ابن تيمية فقال في مجموع الفتاوى (21/460): "ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن ينهاهن عن قراءة القرآن، كما لم يكن ينهاهن عن الذكر والدعاء، بل أمر الحيض أن يخرجن يوم العيد فيكبرن بتكبير المسلمين، وأمر الحائض أن تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت: تلبي وهي حائض وكذلك بمزدلفة ومنى وغير ذلك من المشاعر". وفي هذا الصدد يرى فضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله أن ترخيص النبي الكريم للحائض بأداء مناسك الحج كلها ما عدا الطواف دليل على جواز قراءتها للقرآن الكريم أثناء الحيض، "لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما منع الحائض من الطواف؛ لأن الطواف كالصلاة وهي لا تصلي، وسكت عن القراءة، فدل ذلك على أنها غير ممنوعة من القراءة، ولو كانت القراءة ممنوعة لبينها لعائشة ولغيرها من النساء في حجة الوداع وفي غير حجة الوداع".

والراجح من أقوال أهل العلم في هذا الموضوع هو جواز قراءة المرأة الحائض للقرآن الكريم. ومن أبرز القائلين بهذا الرأي إضافة إلى شيخ الإسلام بن تيمية والشيخ عبد العزيز ابن باز رحمهما الله، نذكر على سبيل المثال لا الحصر؛ الشيخ خالد بن عبد الله المصلح الذي يرى أنه لو كانت الحائض ممنوعة من القراءة لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بيانًا واضحًا ينقله عنه الثقات الأثبات كما هو الشأن في منع الحائض من الصلاة والصيام. والشيخ ابن عثيمين رحمه الله الذي قال في"فتاوى نور على الدرب" (123 /27): "يجوز للحائض أن تقرأ القرآن من التفسير وغير التفسير إذا كانت تخشى أن تنسى ما حفظته. فإن كان من التفسير لم يشترط أن تكون على طهارة، وإن كان من غير التفسير بأن يكون من المصحف فلا بد أن تجعل بينها وبينه حائل من منديل أو قفاز أو نحوه؛ لأن المرأة الحائض وكذلك من لم يكن على طهارة لا يحل له أن يمس المصحف ".

والله أعلم.

بقلم: محمد الحياني

مشاركة هذا المقال:

تعليقات