المُحكم والمتشابه في القرآن، الغايات والمقاصد

تعريف المحكم والمتشابه

المُحكم لغةً هو الشيء المتقَن الذي لا يشوبه عيب ولا نقص ولا خلل ولا فساد. أما اصطلاحا فهو ما كان مستقلا لا يحتاج إلى بيان، ولا يحتمل تأويله إلا وجها واحدا لكونه واضحَ الدلالة، وهو بذلك كل متقن لا يشوبه غموض ولا لبس ولا إشكال. والمتشابه لغةً فهو الشيء المماثل لشيء آخر أو أكثر، والذي يؤدي التأمل فيه إلى الحيرة والالتباس. أما اصطلاحا فالمتشابه هو ما كانت دلالته غير واضحة واحتمل أكثر من وجه، وهو ما كان غير مستقل بذاته، واحتاج فهمُه إلى ربطه بغيره، ومن العلماء من يرى أن المتشابه هو ما استأثر الله بعلمه، كقيام الساعة ونحو ذلك.

أسباب وجود المتشابهات في القرآن

لوجود المتشابهات في القرآن أسباب منطقية وحِكم إلاهية عظيمة، ومن ذلك نذكر على سبيل المثال لا الحصر، الحث على البحث والتأمل في آيات الله عز وجل، وإظهار التفاضل والتفاوت في درجات العلم بين العباد والخلائق، فلو كان القرآن كله مُحكما لاستوى الناس في فهمه وتفسيره، ولما بذلوا أي مجهود للبحث فيه والتقصي في معانيه ودلالاته، ومن أسباب وجود المتشابهات في القرآن كذلك، ابتلاء العباد واختبارهم وتمحيصهم، فالمؤمن الحق يقف عند المتشابه من الآيات فيردها إلى محكمه لفهم أهدافها ومقاصدها، وإن لم يستطع سلَّم الأمر إلى الله تعالى، أما الذي في قلبه زيغ فيخوض في المتشابه ويُؤوِّلُه بغير معناه بحثا عن الفتنة لا أكثر.

أنواع المتشابهات في القرآن

من حيث الإدراك، تنقسم المتشابهات في القرآن إلى ثلاثة أنواع، أولها متشابه يستحيل معرفته كوقت الساعة وخروج الدابة، وثانيها متشابه يمكن معرفته بالبحث والتحليل كالألفاظ الغريبة في القرآن، وثالثها متشابه يمكن للراسخين في العلم تأويله ويستحيل ذلك على ما دونهم من الناس. أما من حيث اللفظ والمعنى، فتنقسم المتشابهات إلى ثلاثة أنواع أيضا، الأول متشابه من جهة اللفظ لغرابة عباراته كقوله تعالى: {وفاكهةً وأبَّا}، وثانيها متشابه من جهة المعنى وهو كل ما يتعلق بأوصاف القيامة مما لا يمكن تصوره. وثالثها متشابه من جهة اللفظ والمعنى معًا كقوله تعالى: {وليس الْبِرُّ بأن تأتوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها}، فإذا علمنا أن العرب في الجاهلية كانوا ينقبون ظهور بيوتهم ويدخلون منها كلما أحرموا، نفهم أن الآية غامضة من حيث اللفظ لأن فيها نوعا من الاختصار، وغامضة من حيث المعنى لصعوبة فهمها على من يجهل عادات العرب في الجاهلية.

الحكمة من المُحكم والمتشابه في القرآن

في تنوع القرآن إلى محكم ومتشابه حِكمٌ عظيمة وعِبرٌ جليلة، فلو كان القرآن كله محكما لانتفت الغاية من تمحيص الناس به واختبار درجة إيمانهم، ولو كان كله متشابها لانتفت صفة البيان عنه ولما أمكن للناس العمل به، لذلك اقتضت الحكمة الإلهية أن يتضمن القرآن آيات محكمات، يُرجَع إليها عند التشابه، وأُخَر متشابهات يُمتحن العبد بها ويُختبر مصداقا لقوله تعالى: {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهن زيغ فيتَّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وَما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كُلٌّ من عند ربنا}. ومن الحِكم الأخرى؛ التعامل مع القرآن الكريم ككُلٍّ لا يتجزَّأ من بِردِّ متشابهه إلى مُحكَمه، وتعظيمُ أجر العلماء المجتهدين في تفسير محكم القرآن ومتشابهه لما في ذلك من جهد ومشقة.

نماذج المُحكم والمتشابه في القرآن

من أمثلة المحكم والمتشابه في القرآن نجد آيات الصفات المتشابهات التي يُفهم منها تجسيم الذات الإلهية كقوله تعالى:﴿ثم استوى إلى السماء وهي دخانٌ﴾، وقوله تعالى: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾، وفي مقابل ذلك نجد آيات الصفات المحكمات التي ترفع اللبس عن الآيات المتشابهات وتزيل عنها شبهة التجسيم، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار﴾، وقوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾. كما نجد أيضا آيات الأفعال الإلهيّة المتشابهات التي يُفهمُ منها الجبر وعدم الاختيار كقوله تعالى: ﴿يُضل به كثيرا ويهدي به كثيرا﴾، وقوله تعالى: ﴿ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللهُ﴾، وفي مقابل ذلك نجد آيات الأفعال المحكمات التي ترفع اللبس عن الآيات المتشابهات كقوله تعالى: ﴿وقُل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾، وقوله تعالى: ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرَى﴾.

بقلم: محمد الحياني

مشاركة هذا المقال:

تعليقات