الخطبة في الإسلام، أحكامها وثمراتها‎

تعتبر الخِطبة مرحلة أولية للزواج يتم خلالها التعارف بين الزوجين المستقبليين وفق عدد من الضوابط والشروط الشرعية، وتعرِّف المعاجم العريية الخِطبة -بكسر الخاء- على أنها وعد بالزواج بموجبه يطلب الرجل المرأةَ للتزوج منها، ومن ذلك قول العرب؛ خطب فلان فلانة إلى قومها أي طلب الزواج منها. ولا يختلف هذا المفهوم اللغوي عن الإصطلاح الشرعي إلا في مسألة الأحكام والشروط كأن تحِلَّ المرأة للرجل ويحِلَّ لها ونحو ذلك. ومن المعروف أن الخِطبة لا تعتبر زواجا، حيث يحدث أن يتم فسخها من أحد الطرفين أو كليهما لسبب من الأسباب.

ومن أحكام الخطبة في الإسلام أنها طقس مشروع يؤكده الفقه ويستحسنه لما يمنحه للمخطوبين من فرص اكتشاف بعضهما البعض لتحقيق الانسجام والتفاهم بينهما في حدود الحشمة والوقار. ومن ضوابط الخطبة وشروطها أن تحل المخطوبة للخاطب ويحِلَّ لها، ويبيح الشرع النظر للمرأة عند الخطبة مصداقا لقول النبي الكريم: (إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعو إلى نكاحها فليفعل)، ومن ضوابط الخِطبة كذلك أن لا يتقدم الرجل لخطبة امرأة مخطوبة لغيره، وأن لا يرغمها هي أو أهلها على فسخ خطبة غيره لأجله هو، فقد ورد عن النبي الكريم قوله: ( لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ولا يبع على بيع أخيه إلا بإذنه).

وبالتأمل في الخِطبة كطقس اجتماعي وديني خاص، يتضح لنا دورها في خلق التعارف بين المخطوبين - في حدود العفة والاحترام المتبادل - تمهيدا للحياة الزوجية لاحقا، ولا ينطبق هذا الأمر على المخطوبين فحسب بل يتعداهما ليشمل عائليتيهما معا، فيحدث التعارف والتزاور، وتتآلف القلوب، فتصبح المخطوبة ابنةً لعائلة الخاطب، ويصبح الخاطب ابنا لعائلة المخطوبة، وفي ذلك تقوية للمجتمع المسلم، وتعزيز لأواصر التضامن والتراحم بين الناس، كما تمكن الخِطبة المخطوبين - في حدود الحشمة دائما - من التعرف على ميولات بعضهما البعض ونظرتهما للحياة، فإذا حدث التوافق والانسجام توَّج الطرفان الخِطبة بالزواج، وإذا حدث العكس فُسِخت الخطبة ذرءا للمشاكل والمشاحنات المحتملة لاحقا.

وتكتسي الخطبة أهمية بالغة في صون كرامة وعفة المخطوبة إذا أحسنت هذه الأخيرة التعامل مع الأمر والتزمت بقواعد العفة والحشمة والوقار. ولعل أهم ثمرة تجنيها المخطوبة خلال هذه الفترة الحيوية تمكينها من القيام بالخطوة الأولى قبل الزواج مرفوعة الرأس برضى أهلها وعلمهم، دون كذب أو مراوغة أو ابتذال، بعيدا عن العلاقات السرية التي لا تجلب في الغالب إلا المصائب والويلات. ومن ثمرات الخطبة كذلك إمكانية تراجع المخطوبة عن الخطبة وفسخها إذا لاحظت هي أو أهلها ما يثير الريبة في الخاطب كالوقاحة وقلة الأدب وغياب الاحترام وغيرها، وبذلك تحمي نفسها وتصون كرامتها وتحفظ عفتها.

وبناء على ما سبق، يتضح أن الخطبة وعد بالزواج يتيح للمخطوبين فرصة التعرف على بعضهما البعض مع مراعاة قواعد الحشمة والوقار، ولهذه الخطبة قواعد وضوابط شرعية على الطرفين مراعاتها واحترامها ومن ذلك أن أن يحل أحدهما للآخر، وأن ينظر الخاطب للمخطوبة في حدود العفة والحشمة، وأن لا يخطب الخاطب امرأة مخطوبة لغيره، وأن لا تفسخ الخطبة إلا لسبب قاهر. كما يتضح مما سبق أهمية الخطبة في خلق التعارف والتآلف بين المخطوبين وعائلتيهما تمهيدا لحياة زوجية سعيدة، إضافة إلى مساهمة الخطبة في صون كرامة المرأة وعفتها بتمكينها من التعرف على الخاطب برضى أهلها وعلمهم، وبتخويلها إمكانية فسخ الخطبة إذا بدر من الخاطب ما يسيء لها ولشرف أهلها.

بقلم: محمد الحياني

مشاركة هذا المقال:

تعليقات