حكم الصيام بعد انتصاف شعبان

ونحن في بدايات شهر شعبان الفضيل، يحاول الكثير من الناس استغلاله في الاستعداد لرمضان الكريم بصيام ما تيسر منه تطوعا وتقربا إلى الله سبحانه وتعالى أو قضاءً لما في ذمتهم من رمضان الماضي. وفي هذا الصدد يتساءل الكثيرون عن حكم الصيام بعد انتصاف شعبان. وسنحاول الإجابة عن هذا التساؤل في الأسطر التالية من خلال استعراض ثلة من أقوال أهل العلم القدماء والمعاصرين.

الحقيقة أن الصوم بعد انتصاف شهر شعبان مسألة خلافية بين العلماء والفقهاء لتعدد الأحاديث المؤطرة لهذا الموضوع ولتعدد تفسيراتها وتأويلاتها. وهذا الاختلاف على رأيين مشهورين يقول الأول منهما بكراهة الصوم بعد انتصاف شعبان وهو مذهب الشافعية، ويقول الثاني بجواز الصوم بعد انتصاف شعبان وهو مذهب جمهور أهل العلم.

ويعتمد الشافعية في قولهم بكراهة الصوم بعد انتصاف شعبان على الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يكون رمضان). وقد أخذ الشافعية وبعض الحنابلة بهذا الحديث فقالوا: "لا يصام بعد النصف من شعبان".

لكن جمهور العلماء يخالفونهم هذا الرأي لتعارض الحديث السابق مع أحاديث أخرى كالحديث الذي رواه أبو هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه)، والحديث الذي رواه الترمذي عن أم سلمة وعائشة قالتا: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلاً، بل كان يصومه كله).

وتماشيا مع هذا الرأي يرى فضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله في الفتوى المنشورة على موقعه الالكتروني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله وربما صامه إلا قليلاً كما ثبت ذلك من حديث عائشة وأم سلمة، أما الحديث الذي فيه النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان فهو صحيح، والمراد به - حسب فضيلته - النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف، أما من صام أكثر الشهر أو الشهر كله فقد أصاب السُّنة.

وفي نفس التوجه أيضا، يرى فضيلة الشيخ الدكتور صالح الفوزان في إحدى الفتاوى المنشورة على موقع اليوتوب أن المقصود بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، هو الشخص الذي لم يصم من أول الشهر، وأراد البدأ بصيام شعبان بعد انتصافه، أما الذي كان يصوم من أول الشهر - يضيف فضيلته - فإنه يواصل صيامه بعد نصف شعبان، والذي كان مفطرا كل النصف الأول ثم يريد أن يبدأ الصيام من النصف الثاني، فهذا الحديث يدل على أنه لا يصح.

ويرى فضيلة الشيخ خالد بن عبد الله المصلح أن صيام النصف الثاني من شعبان نهى عنه بعض العلماء استناداً لما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يكون رمضان)، ويرى فضيلته أن هذا الحديث ضعيف ولا يعتد به، مضيفا أن النهي جاء عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين كما في البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجلاً كان له صوم فليصمه)، وهذا يدل على جواز الصيام بعد النصف من شعبان كما يدل أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه إلا قليلاً.

والله أعلم.

بقلم: محمد الحياني

مشاركة هذا المقال:

تعليقات