زكاة الفطر .. طُهرة الصائمين وطُعمة المساكين

لها أهداف عميقة ومقاصد سامية. وفي طياتها أبعاد إنسانية واجتماعية راقية. فرضها الله تعالى على المسلمين في السنة الثانية للهجرة، وألزمهم بإخراجها بعد صيام شهر رمضان. في الْتزام المسلم بها شكرٌ لله على نعمة الصيام، وتضامنٌ مع الفقراء والمحتاجين، وتطهيرٌ للنفس من الكِبْر والغرور، وتنقيةٌ للقلب من حب الذات والأنانية. يتعلق الأمر بزكاة الفطر التي نستعرض فيما يلي بعضاً من أحكامها ومقاصدها.

تعريفها

زكاة الفطر هي مقدارٌ من قوت المسلم يُخرجه بعد صيام رمضان و قبل صلاة عيد الفطر على شكل طعام أو مال. وهناك من يطلق عليها تسميات أخرى كصدقة الفطر وزكاة الأبدان. ويسمى ما يخرجه العبد بموجبها "فطرة"، وفي تسميتها بزكاة الفطر إشارة إلى وجوبها قبيل عيد الفطر، ولأنها مشتقة من الفطرة التي فطر الله عليها الإنسان أي الخِلقة.

مشروعيتها

تستمد زكاة الفطر مشروعيتها من الكتاب والسُّنة وإجماع علماء المسلمين قديما وحديثا. فقد ذكرها الله سبحانه في سورة الأعلى فقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}. كما وردت عن عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما في الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم (فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين...). وأجمع أهل العلم على فرضيتها ووجوبها، وأنها من أركان الإسلام. وقد فُرضت أول مرة على المسلمين في السنة الثانية للهجرة.

الحكمة منها

لزكاة الفطر حِكم بليغة وفوائد عظيمة يجني المسلمون ثمارها في الدنيا والآخرة، ومن ذلك، تطهيرها لنفس العبد من الذاتية والأنانية، وتنقيتها لقلب المسلم من الحقد والبغض والكراهية، وتزكية صيام وقيام شهر رمضان، وجبر ما قد يحصل من تقصير في أداء مناسكه والتزام أحكامه. كما تعمل زكاة الفطر على إشاعة روح التضامن والإخاء بين المسلمين، وإدخال الفرحة إلى بيوت وقلوب الفقراء والمساكين، وإغنائهم عن ذل السؤال وهوان الاستجداء يوم العيد.

وقت وجوبها

اختلف العلماء في تحديد زمن مضبوط لوجوب إخراج زكاة الفطر، لكنهم ينصحون بإخراجها في الفترة بين غروب شمس آخر يوم من رمضان و قبل دخول صلاة العيد، ويَستحسِنون إخراجها بين صلاة الفجر وصلاة العيد، ويُنَبِّهون إلى عدم جواز تأخيرها أكثر من ذلك لما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما في الحديث المتفق عليه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة). ومن أهل العلم من يجيز تقديمها بيوم أو يومين أو أكثر كي تصل إلى مستحقيها إذا كانوا خارج البلد، ومن لم يخرجها رغم قدرته فهو آثم، ويجب عليه إخراجها فيما بعد كصدقة لأنها دين ثابت للفقراء في ذمته.

مقدارها

حسب ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، اتفق العلماء على أن مقدار زكاة الفطر الواجب عن كل فرد هو صاع من تسعة أصناف من القوت هي: القمح، والشعير، والسلت، والذرة، والدخن، والأرز، والتمر، والزبيب، والأقط. وهناك من يقول بوجوب إخراج زكاة الفطر من هذه الأجناس ومن غيرها حسب طعام وقوت كل بلد. والصاع في اللغة وفي التفاسير يساوي أربعة أمداد، أي أربع حفنات باليدين المعتدلتين الممتلئتين، وهو ما يعادل ثلاثة كيلوغرامات تقريبا بمقاييس عصرنا الحالي.

من يخرجها؟

أجمع أهل العلم أن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم عن نفسه، وعن كل من هم تحت مسؤوليته ومؤونته ذكورا كانوا أم إناثا، صغاراً كانوا أم كباراً، صائمين كانوا أم مفطرين، ويدخل في هذا التصنيف الأقرباء، والأزواج، والوالدَيْن الفقيرَيْن، والأبناء إلى حين البلوغ والقدرة على الكسب، والبنات إلى حين المغادرة لبيت الزوجية، والخدم وغيرهم. لكن ذلك كله مشروط بقدرة المعني بزكاة الفطر على إخراجها وقت وجوبها، فإن لم يستطع إخراجها إلاّ بعد وقت وجوبها فلا يلزم بها.

من يستحقها؟

تعطى زكاة الفطر للفقراء والمساكين عملاً بتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم. فقد ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي (فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين). كما تصرف زكاة الفطر للأقارب الذين لا يستطيعون إخراجها، واليتامى الذين لا يجدون ما ينفقون. وأولى الناس بها الجيران وأهل البلد، فإذا انعدم الفقراء فيه فلا حرج في نقلها إلى فقراء بلد آخر أشد حاجة إليها. ولا تجوز المساهمة بها في بناء المساجد و المشاريع الخيرية، كما لا يجوز دفعها للمستفيدين من زكاة المال، والعاملين عليها، والمجاهدين ونَحْوِهِم.

بقلم: محمد رياض

مشاركة هذا المقال:

تعليقات