من الأمور العظيمة التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف إيلاؤه اهتماما كبيرا وعناية خاصة للمرأة بصفة عامة وللمطلَّقة على وجه الخصوص. وفي هذا الإطار تحظى المرأة المطلقة في التشريع الإسلامي بمكانة هامة تحفظ لها كامل حقوقها، وتشجع المجتمع على التعامل معها بمنتهى اللطف الاحترام، بعيدا عن الأحكام المسبقة والنوايا السيئة.
وبالمقارنة مع الكثير من التشريعات الوضعية والثقافات الإنسانية المختلفة، تبدو نظرة الإسلام للمرأة المطلقة وتَعامُلُه معها في منتهى العدل والإنصاف، فقد جعل الله تعالى الطلاقَ أبغض الحلالِ عنده، وحرَّم التلاعب به، وأوصى المسلمين بتقوى الله في المطلقات وعدم هضم حقوقهن، وحثَّ الطرفين على الفراق بالمعروف مصداقا لقوله تعالى:{ولا تنسوا الفضل بينكم}.
وتنقسم حقوق المطلَّقة في الإسلام إلى نوعين؛ حقوق مادية وأخرى معنوية. فعلى الصعيد المادي، متع الإسلام المرأة المطلقة رجعيا - أي التي يجوز لزوجها مراجعتها دون عقد جديد - متعها بنفس الحقوق التي تجب لأية زوجة من نفقة وسكن وكسوة وغيرها. كما متعها بحق الإرث إذا مات زوجها في عِدَّتِهَا. أما المطلقة طلاقا بائنا فقد متعها الإسلام بحق "المتعة" وهو مال فوق النفقة يدفعه لها الزوج إذا طلقها قبل الدخول بها جَبْراً لخاطرها مصداقا لقوله تعالى: {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين}، كما متعها الإسلام بحق الصداق وهو المهر المسمى، كلُّه إن طلقها بعد الدخول، ونصفه إن طلقها قبل الدخول مصداقا لقوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}. كما متعها بحق الحمل حيث تجب نفقتها على الزوج حتى تضع مولودها مصداقا لقوله تعالى:{فإن كُنَّ أولاَت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}، ومتعها بحق النفقة من أجل مولودها حتى يبلغ سنتين، وبحق أجرة الرضاع مصداقا لقوله تعالى:{فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن}.
وبالإضافة إلى ذلك، أعطى الإسلام للمرأة المطلقة حقوقا معنوية أخرى مراعاة لوضعيتها ومساعدةً لها على مواجهة الحياة وأعبائها، ومن ذلك؛ حق الزواج برجل آخر لأن الطلاق لا يعيبها ولا ينقص منها شيئا، فقد تزوج النبي الكريم زينب بنت جحش –رضي الله عنه- بعد طلاقها من زوجها زيد بن حارثة فأصبحت إحدى أمهات المؤمنين. ومن الحقوق المعنوية الأخرى، حقها في عدم إفشاء الزوج لأسرارها الكبيرة والصغيرة بعد الطلاق لأن في ذلك أذى لها وإساءة لشرفها وسمعتها، وحق حضانة الأطفال إن وُجدوا ما لم تتزوج برجل آخر، فقد ورد عن النبي الكريم أن امرأة سألته عن حضانة ولدها فقال: {أنتِ أحق به ما لم تنكحي}. كما منح الإسلام للمطلقة الحق في رؤية أطفالها بعد الطلاق إذا انتقلت الحضانة لوالدهم أو من ينوب عنه، وللمحكمة أن تحدد وقت الرؤية وشكلها وعدد مراتها. هذا بالإضافة إلى الحق في الزواج مرة أخرى بطليقها بشرط الزواج من رجل غيره والطلاق منه دون تعمد.
وبناءً على ما سبق، يتبين لنا حجم الاهتمام الذي أَوْلاهُ الإسلام للمرأة المطلقة، وحجم الحرص على حقوقها ومصلحتها، والمؤسف أن الكثير من المسلمين في وطننا العربي والإسلامي غافلون عن هذه الأمور، فمنهم من ينظر إلى المطلقة نظرة ازدراء واحتقار وكأن الطلاق عيب لا يجب الوقوع فيه أبدا، ومنهم من يقذف المطلقات ويشكك في عِرضهن وشرفهن دون حجة أو دليل. فلتكن لنا في هذا التشريف الإسلامي للمطلَّقة عبرة، ولتكن لنا في سيرة النبي صلى الله عليه إسوة حسنة، ولنساعد المطلقات على تجاوز فشل تجربة الزواج بتمكينهن من حقوقهن وإدماجهن في المجتمع، بعيدا عن الأفكار الهدَّامة والأحكام المُسْبَقة.
بقلم: محمد الحياني
تعليقات