مَنح الإسلام للرجل حق الطلاق، وفي مقابل ذلك أعطى للمرأة حق الخُلع أو ما يسمى بالافتداء. والخُلع في اللغة هو النزع والإزالة ومن ذلك قول العرب خلع الرجل ثوبه ونعله إذا نزعه. أما في الاصطلاح الشرعي، فيرى الأحناف أن الخلع هو افتداء الزوجة من زوجها مقابل تعويض تقدمه له، ويرى المالكية أن الخلع هو اتفاق مُعاوَضة تملك به الزوجة نفسها ويملك به الزوج العوض. ويُعرّفه الحنابلة بأنه فراق الزوج لزوجته بعِوَض يأخذه منها أو ممَّن ينوب عنها. فالخُلع بصفة عامة عملية يُطلّق من خلالها الزوج زوجته نزولا عند مشيئتها مقابل عوض نقدي أو عيني تفتدي به نفسها.
حُكم الخلع
اتفق أهل العلم على أن الخُلع كما الطلاق مُباح شرعا لكنه مبغوض ومنهي عنه إذا أُريدَ لغير سبب وجيه. ويستشهد العلماء على جوازه بقوله تعالى: { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جُناح عليهما فيما افتدت به}، أي لا حرج على الزوجة في الحصول على الطلاق من زوجها مقابل عوض تدفعه، ولا حرج على الزوج في تلبية طلبها وأخذ العوض. ومن السنّة النبوية يستشهد أهل العلم على جواز الخلع بما رُوي عن زوجة ثابت ابن قيس أنها جاءت إلى النبي الكريم فقالت له عن زوجها تريد الافتداء منه: "إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكنني أكره الكفر في الإسلام"، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتَردّين عليه حديقته)، قالت: "نعم" فقال عليه السلام لزوجها: (اِقبل الحديقة وطلقها تطليقة).
شروط الخُلع
لكي يَحِلَّ الخُلع، يجب أن يكون هناك ما يدعو إليه، وأن يكون على عِوض، وأن يُخافَ من عدم إقامة حدود الله مصداقا لقوله تعالى في سورة البقرة: {ولا يَحِلُّ لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}. وقد قسَّم الفقهاء هذا الخوف إلى نوعين؛ يتعلق الأول بأن يكون أحدهما أو كلاهما سيئ الخلُق والطباع، فيؤدي بهما ذلك إلى عدم إقامة حدود الله، وعدم الوفاء بمتطلبات عقد النكاح، أو بأن يكون أحدهما مبغضا للآخر، فيصير حسن المعاشرة صعبا بل ومستحيلا، مما يؤدي إلى مخالفة أمر الله وعدم الالتزام بواجباتهما الزوجية تجاه بعضهما، فإذا حدث هذان النوعان من الخوف أو أحدهما أُحِّل الخُلع كما الطلاق رغم كراهتهما.
الخُلع في الدول الإسلامية
في المغرب مثلا، تُبيح المادة 115 من مدونة الأسرة للزوجين أن يتراضيا على الطلاق بالخلع طبقا لأحكام المادة 114 المتعلقة بالطلاق الاتفاقي. فإذا رفض الزوج تطليق زوجته، يرفع الأمر إلى المحكمة طبقا للمادة 120 من نفس المدونة، حيث يقوم القاضي بمحاولة الصلح بينهما، فإذا تعذر الصلح، وأصرّت الزوجة على طلب الخلع، تقوم المحكمة بتطليقها من زوجها طبقا لمسطرة الشقاق. وفي مصر، تنص المادة 20 من القانون رقم 1 لسنة 2000 على جواز طلاق الزوجة بالخُلع من زوجها. وبعد توصلها بالطلب، تحاول المحكمة الصلح بين الزوجين بندب حكمين لهذا الغرض، فإذا تعذر الصلح في أجل ثلاثة أشهر، تحكم المحكمة بالتطليق للخلع مقابل تنازل الزوجة عن حقوقها المالية والشرعية، ومقابل اعترافها ببغضها للحياة الزوجية مع زوجها وخوفها من عدم إقامة حدود الله. وفي الجزائر، تنص المادة 54 من قانون الأسرة على أنه يجوز للزوجة -دون موافقة الزوج- أن تخالع نفسها بمقابل مالي، فإن لم يتفق الزوجان على المقابل المالي للخلع، يحكم القاضي بما لايتجاوز قيمة صداق المثل وقت صدور الحكم.
بقلم: محمد الحياني
تعليقات