رخص الله تعالى لبعض الفئات بالإفطار في نهار رمضان، تخفيفًا عنهم وحرصا على صحتهم وسلامتهم وترجمةً لجمالية الدين الإسلامي ورحمته ويُسرِه. ومن هذه الفئات نجد المسافر الذي ينتقل من مكان إلى آخر على قدميه أو بواسطة واحدة من وسائل النقل الطبيعية أو الاصطناعية. فما حكم الشرع في صوم المسافر في رمضان؟ وهل هناك سفر موجب للصوم وسفر مبيح للإفطار؟ وما رأي العلماء في ذلك؟
بشكل عام، يرى أهل العلم أنه إذا شق الصوم على المسافر فالأولى له أن يستفيد من رخصة الشرع فيفطر في نهار رمضان ولا حرج عليه. ويستدلون على ذلك من القرآن الكريم بقوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ومن السنة النبوية يستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم: (يسافرون، فمنهم من يصوم، ومنهم من يفطر). والاختلاف بين أهل العلم في مسألة صيام المسافر يتمثل في مسافة السفر التي تبيح الإفطار، حيث يقدرها الحنفية بمسيرة ثلاثة أيام، ويقدرها المالكية والشافعية والحنابلة بمسيرة يومين أو يوم وليلة أي ما يعادل 88 كلم تقريبا.
وارتباطا بهذا الموضوع يرى فضيلة الدكتور خالد المصلح أنه مع تطوُّر وسائل النقل والمواصلات، أصبح السفر يبدو وكأنه بلا مشقة، لكن المسألة في نظره نسبية، لأن السَّفر مهما كانت وسيلته، لا يخرج عن الوصف الذي وصفه به النبي الكريم عندما قال: (السفر قطعة من العذاب). ورغم إقراره بالفرق بين السفر على البعير، والسفر على السيارة وغيرها من وسائل النقل الحديثة، يرى فضيلته أن السفر مبيح للفطر ولو لم توجد المشقة؛ مصداقا لحديث عمرو بن حمزة الأسلمي الذي قال للنبي الكريم: "أجد بي قوةً على الصيام في السفرِ، فهل عليَّ جُناحٌ؟" فرد عليه النبي: (هي رخصة من الله، فمن أخذ بها، فحَسنٌ ومن أَحبَّ أن يصوم فلا جناح عليه).
كما يرى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية في مجموع الفتاوى (ج 25/ ص 209 ـ 213) أن الفطر للمسافر جائز باتفاق المسلمين سواء كان سفر حج أو جهاد أو تجارة أو نحو ذلك من الأسفار التي لا يكرهها الله ورسوله. ويستشهد على ذلك بما جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: "كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم، ومنا المفطر، فلا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم." وفي الصحيح أيضا أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "إني رجل أكثر الصوم أفأصوم في السفر؟ فقال النبي الكريم: (إن أفطرت فحسن، وإن صمت فلا بأس).
وقد سئل فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن هذه المسألة أيضا فأجاب بما مفاده أن صيام المسافر في رمضان مسألة اختيارية، واستشهد على هذا الكلام بما ورد عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أنهم كانوا يسافرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم الصائم ومنهم المفطر. وأضاف رحمه الله أن النبي الكريم كان يصوم في السفر، مثلما جاء في حديث أبي الدرداء ـ رضي الله عنه قال: "سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حر شديد وما منا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبدالله بن رواحة". فالقاعدة في المسافر - حسب العثيمين رحمه الله - أن المسافر يُخيَّرُ بين الصيام والإفطار، فإن كان الصوم لا يشق عليه فهو أفضل.
وفي نفس الموضوع، يرى فضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله، في الفتوى المنشورة على موقعه الالكتروني، أن الإفطار في السفر مشروع ورخصة من الله تعالى، مستشهدا بما جاء في السنة النبوية أن النبي -صلى الله عليه وسلم كان في أسفاره يصوم ويفطر، وكذلك كان أصحابه يصومون ويفطرون، فمن صام فلا بأس، ومن أفطر فلا بأس. ويضيف فضيلته أن الإفطار رخصة من الله للمسافرين، سواء كان المسافر صاحب سيارة أو صاحب جمل أو في السفن أو في الطائرات، لا فرق في ذلك. ويرى رحمه الله أن الإفطار أفضل للمسافر الذي يشق عليه السفر أخذاً برخصة الله تعالى الذي قال عنه النبي الكريم: (إن الله يحب أن تُؤتى رخصه كما يكره أن تُؤتى معصيته).
بقلم: محمد الحياني
تعليقات