من الأسئلة الشائعة التي يطرحها المسلمون بصفة عامة، والأزواج على وجه الخصوص، سؤال حول انتقاض الوضوء من عدمه بسبب القُبلة. وللإجابة عن هذا السؤال نستعرض لكم آراء وفتاوى عدد من الفقهاء والشيوخ الأجلاء.
في الصفحة العشرين من مجموع "فتاوى المرأة" للعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، أفتى فضيلته بعدم نقض القُبلة للوضوء مستشهدا بما ورد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (قَبّل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ)، مشيرا إلى أن الرجل إذا قبّل زوجته أو مس يدها أو ضمها ولم يُنزل ولم يُحدِث فإن وضوءهما لا يفسد، موضحا أن الأصل في الوضوء هو بقاءه على ما كان عليه، حتى يقوم دليل على انتقاضه. وفي هذا الصدد، يرى فضيلته أنه لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، دليل على أن مس المرأة ينقض الوضوء، مستنتجا أن تقبيل المرأة وضمها ومسها ولو بشهوة، لا ينقض الوضوء ما لم يخرج من الرجل مذي أو مني.
وفي نفس الإطار أجاب فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن نفس السؤال في إحدى الفتاوى المنشورة على الموقع الالكتروني الذي يحمل اسمه، بما مفاده أن القُبلة بين الزوجين لا تنقض الوضوء، وأن هذا الرأي هو الصواب، مستشهدا بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُقبِّل زوجاته ثم يصلي ولا يتوضأ عليه السلام، نافيا أن تكون القُبلة مقصودة بقوله تعالى في سورة النساء: {أو لاَمَسْتُمُ النساء}، لأن المراد بهذه الآية - حسب رأي فضيلته - هو الجماع على أصح قولي العلماء. ورغم اعترافه باعتقاد بعض أهل العلم أن القُبلة بين الزوجين عن شهوة توجب الوضوء، يرى فضيلته أن الصحيح هو عدم نقضها للوضوء شريطة عدم خروج المني أو المذي.
نفس الرأي أيضا أفتى به فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي، حيث يرى فضيلته أن القُبلة من أي مكان كانت لا تفسد الوضوء إلا إذا ترتب عنها إثارة لأحد الطرفين أو كليهما تفضي إلى خروج المذي، ساعتها فقط، تصبح القُبلة ناقضة للوضوء. أما القُبلة بحد ذاتها - يضيف فضيلته - فهي غير ناقضة للوضوء، بل بما قد ينتج عنها هو الذي ينقض الوضوء، مستشهدا بما ثبت في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُقبّل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ).
وفي فتوى مشابهة، أفتى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان بما مفاده أن الرجل إذا قبَّل زوجته بدون شهوة بعد الطهارة ولم يخرج منه شيء، فإن ذلك لا يخل بطهارته، مستشهدا هو الآخر بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل بعض أزواجه وهو صائم ويقبل وهو متوضئ لمَّا كان مالكًا لإربه، فدل ذلك حسب فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان على عدم نقض القُبلة للوضوء. أما الذي يخشى من ثوران شهوته - يضيف فضيلته - فإنه لا يُقبِّل في هذه الحالة مخافة أن يخرج منه شيء يخل بطهارته.
وبناء على ما سبق، يتضح إجماع أهل العلم على عدم نقض القُبلة للوضوء، شريطة عدم إنزال أحد الطرفين أو كليهما - أثناء القبلة - لشيء من نواقض الوضوء والطهارة كالمني والمذي ونحوهما. والله تعالى أعلم.
بقلم: محمد الحياني
تعليقات