يُعتبر التدخين أحد الموضوعات المستجدة لأنه لم يكن معروفا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد صحابته الكرام. لذلك لا نجد نصا شرعيا صريحا يبين حكمه ويشير إليه بالإسم. وفي غياب ذلك، ولأن التدخين لا يُسكِر، فقد اختلفت آراء العلماء حول حكمه بين من يبيحه ومن يحرِّمه ومن يقول بكراهته. ونقدم لكم فيما يلي ثلة من آراء أهل العلم في هذه المسألة.
عندما ظهر التبغ أول مرة في البلاد الإسلامية أفتى عدد من العلماء بعدم تحريمه لأن علته الوحيدة التي توفرت لديهم آنذاك هى الإسكار، وبما أن التدخين لا يسكر فقد رأى هؤلاء العلماء أن الأصل في التدخين هو الإباحة. بعد ذلك، بيَّن الطب بعضاً من أضرار التدخين فأفتى العلماء بكراهته لأن العلة لديهم آنذاك هي الضرر. وبما أن الأبحاث العلمية في ذلك الوقت بينت أن ضرر التدخين ليس مباشرا، فقد رأى هؤلاء العلماء أن هذا الضرر لا يصل الى درجة التحريم.
أما في عصرنا الحالي الذي أثبت فيه الطب مخاطر وأضرار التدخين، فالغالب على آراء أهل العلم هو التحريم. ففي المجلد الثالث عشر من مجموع الفتاوى والرسائل مثلا، يرى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله أن التدخين حرام، مستدلا على ذلك بقوله تعالى: [ولا تقتلوا أنفسكم]، وقوله تعالى: [ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة]، وقوله تعالى: [ولا تُؤْتُوا السفهاءَ أموالَكم التي جعل الله لكم قياما]. كما يستدل فضيلته بنهي النبي الكريم عن إضاعة المال، وبإثبات الطب لأضرار التدخين التي تؤدي إلى الموت أحيانا. فالتدخين -حسب فضيلته- تهلُكة للنفس ومفسدة للمال وإضاعة لمصالح الدين والدنيا.
وفي نفس التوجه، يرى فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، في الفتوى المنشورة على موقعه الالكتروني، أن التدخين محرَّم، مستندا في ذلك على الأضرار المتعددة للتدخين التي بينها الأطباء ومستعملوه على السواء. كما يرى رحمه الله أنه وبما أن الله تعالى حرَّم على المؤمن أن يضر نفسه بقوله تعالى: [ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة] وقوله جل وعلا: [ولا تقتلوا أنفسكم إنَّ الله كان بكم رحيماً] فالواجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة، الحذر من كل ما حرَّم الله، والحذر من كل ما يضر دين العبد وبدنه ودنياه؛ ومن ذلك التدخين.
وعلى نفس المنوال أيضا، يرى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، أن لا مجال اليومَ للشك في تحريم التدخين لأن الطب الحديث أظهر أخطاره، ولأن أطباء العالم يُجمعون على أنه مضر بالصحة، وما كان مضرا فهو حرام -حسب فضيلته- لأن النبي الكريم قال: (لا ضرر ولا ضرار). كما يرى فضيلته أن الدخان خبيث في رائحته وخبيث في طعمه وخبيث في أثره، وما كان خبيثا -حسب فضيلته - فهو حرام، لقوله تعالى في وصف نبيه الكريم :[يُحل لهم الطيبات ويُحرِّم عليهم الخبائث] فكل ما كان خبيثا فهو محرم والتدخين هو أشد الخبائث حسب رأيه.
ومن خلال ما سبق يتضح أن الغالب في آراء أهل العلم هو تحريم التدخين بسبب أضراره الصحية وتكاليفه المادية، والله أعلم.
بقلم: محمد رياض
تعليقات