سورة الأنعام

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [١]

تفسير الأية 1: تفسير الجلالين

{ الحمد } وهو الوصف الجميل ثابت { لله } وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به الثناء به أوهما احتمالات أفيدها الثالث قاله الشيخ في سورة الكهف { الذي خلق السماوات والأرض } خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات للناظرين { وجعل } خلق { الظلمات والنور } أي كل ظلمة ونور وجمعها دونه لكثرة أسبابها، وهذا من...

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ [٢]

تفسير الأية 2: تفسير الجلالين

{ هو الذي خلقكم من طين } بخلق أبيكم آدم منه { ثم قضى أجلا } لكم تموتون عند انتهائه { وأجلٌ مسمّىّ } مضروب { عنده } لبعثكم { ثم أنتم } أيها الكفار { تمترون } تشكون في البعث بعد علمكم أنه ابتدأ خلقكم ومن قدر على الإبتداء فهو على الإعادة أقدر .

وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [٣]

تفسير الأية 3: تفسير الجلالين

{ وهو الله } مستحق للعبادة { في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم } ما تسرون وما تجهرون به بينكم { ويعلم ما تكسبون } تعملون من خير وشرِّ .

وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ [٤]

تفسير الأية 4: تفسير الجلالين

{ وما تأتيهم } أي أهل مكة { من } زائدة { آية من آيات ربهم } من القرآن { إلا كانوا عنها معرضين } .

فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [٥]

تفسير الأية 5: تفسير الجلالين

{ فقد كذٌبوا بالحق } بالقرآن { لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء } عواقب { ما كانوا به يستهزئون } .

أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ [٦]

تفسير الأية 6: تفسير الجلالين

{ ألم يروا } في أسفارهم إلى الشام وغيرها { كم } خبرية بمعنى كثيرا { أهلكنا من قبلهم من قرن } أمة من الأمم الماضية { مكَّناهم } أعطيناهم مكانا { في الأرض } بالقوة والسعة { ما لم نمكن } نعط { لكم } فيه التفات عن الغيبة { وأرسلنا السماء } المطر { عليهم مدرارا } متتابعا { وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم...

وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [٧]

تفسير الأية 7: تفسير الجلالين

{ ولو نزلَّنا عليك كتابا } مكتوبا { في قرطاس } رَق كما اقترحوا { فلمسوه بأيديهم } أبلغ من عاينوه لأنه أنفى للشك { لقال الذين كفروا إن } ما { هذا إلا سحر مبين } تعنُّنا وعنادا .

وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ [٨]

تفسير الأية 8: تفسير الجلالين

{ وقالوا لولا } هلا { أنزل عليه } على محمد صلى الله عليه وسلم { ملك } يصدقه { ولو أنزلنا ملكا } كما اقترحوا فلم يؤمنوا { لقضي الأمر } بهلاكهم { ثم لا ينظرون } يمهلون لتوبة أو معذرة كعادة الله فيمن قبلهم من إهلاكهم عند وجود مقترحهم إذا لم يؤمنوا .

وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ [٩]

تفسير الأية 9: تفسير الجلالين

{ ولو جعلناه } أي المنزل إليهم { ملكا لجعلناه } أي الملك { رجلا } أي على صورته ليتمكنوا من رؤيته إذ لا قوَّه للبشر على رؤية الملك { و } لو أنزلناه وجعلنا رجلا { للبسنا } شبهنا { عليهم ما يلبسون } على أنفسهم بأن يقولوا ما هذا إلا بشر مثلكم .

وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [١٠]

تفسير الأية 10: تفسير الجلالين

{ ولقد استُهزئ برسل من قبلك } فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم { فحاق } نزل { بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون } وهو العذاب فكذا يحيق بمن استهزأ بك .

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [١١]

تفسير الأية 11: تفسير الجلالين

{ قل } لهم { سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } الرسل من هلاكهم بالعذاب ليعتبروا .

قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [١٢]

تفسير الأية 12: تفسير الجلالين

{ قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله } إن لم يقولوه لا جواب غيره { كتب على نفسه } قضى على نفسه { الرحمة } فضلا منه وفيه تلطف في دعائهم إلى الإيمان { لَيجمعنكم إلى يوم القيامة } ليجازيكم بأعمالكم { لا ريب } شك { فيه الذين خسروا أنفسهم } بتعريضها للعذاب مبتدأ خبره { فهم لا يؤمنون } .

وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [١٣]

تفسير الأية 13: تفسير الجلالين

{ وله } تعالى { ما سكن } حلُ { في الليل والنهار } أي كل شيء فهو ربه وخالقه ومالكه { وهو السميع } لما يقال { العليم } بما يفعل .

قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [١٤]

تفسير الأية 14: تفسير الجلالين

{ قل } لهم { أغير الله أتَّخذ وليّاً } أعبده { فاطر السماوات والأرض } مبدعهما { وهو يُطعم } يرزق { ولا يُطعم } يُرزق { قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم } لله من هذه الأمة { و } قيل لي { لا تكوننَّ من المشركين } به .

قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [١٥]

تفسير الأية 15: تفسير الجلالين

{ قل إني أخاف إن عصيت ربي } بعبادة غيره { عذاب يوم عظيم } هو يوم القيامة .

مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ [١٦]

تفسير الأية 16: تفسير الجلالين

{ من يُصرف } بالبناء للمفعول أي العذاب وللفاعل أي الله والعائد محذوف { عنه يومئذ فقد رحمه } تعالى أي أراد له الخير { وذلك الفوز المبين } النجُاة الظاهرة .

وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [١٧]

تفسير الأية 17: تفسير الجلالين

{ وإن يمسسك الله بضر } بلاء كمرض وفقر { فلا كاشف } رافع { له إلا هو وإن يمسسك بخير } كصحة وغنىّ { فهو على كل شىء قدير } ومنه مسُّك به ولا يقدر على ردِّه عنك غيره .

وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [١٨]

تفسير الأية 18: تفسير الجلالين

{ وهو القاهر } القادر الذي لا يعجزه شيء مستعليا { فوق عباده وهو الحكيم } في خلقه { الخبير } ببواطنهم كظواهرهم .

قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ [١٩]

تفسير الأية 19: تفسير الجلالين

ونزل لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إئتنا بمن يشهد لك بالنبوة فإن أهل الكتاب أنكروك { قل } لهم { أيُّ شيءٍ أكبر شهادة } تمييز محول عن المبتدأ { قل اللهُ } إن لم يقولوه لا جواب غيره، وهو { شهيد بيني وبينكم } على صدقي { وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم } أخوفكم يا أهل مكة { به ومن بلغ } عطف على...

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [٢٠]

تفسير الأية 20: تفسير الجلالين

{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه } أي محمدا بنعته في كتابهم { كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم } منهم { فهم لا يؤمنون } به .

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [٢١]

تفسير الأية 21: تفسير الجلالين

{ ومن } أي لا أحد { أظلم ممن افترى على الله كذبا } بنسبه الشريك إليه { أو كذَّب بآياته } القرآن { إنه } أي الشأن { لا يفلح الظالمون } بذلك .

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [٢٢]

تفسير الأية 22: تفسير الجلالين

{ و } اذكر { يوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا } توبيخا { أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون } أنهم شركاء الله .

ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [٢٣]

تفسير الأية 23: تفسير الجلالين

{ ثم لم تكن } بالتاء والياء { فتنتّهم } بالنصب والرفع أي معذرتهم { إلا أن قالوا } أي قولهم { والله ربِّنا } بالجر نعت والنصب نداء { ما كنا مشركين } .

انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [٢٤]

تفسير الأية 24: تفسير الجلالين

قال تعال: { أنظر } يا محمد { كيف كذبوا على أنفسهم } بنفي الشرك عنهم { وضلَّ } غاب { عنهم ما كانوا يفترونـ } ـه على الله من الشركاء .

وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [٢٥]

تفسير الأية 25: تفسير الجلالين

{ ومنهم من يستمع إليك } إذا قرأت { وجعلنا على قلوبهم أكنة } أغطية لـ { أن } لا { يفقهوه } يفهموا القرآن { وفي آذانهم وقرا } صما فلا يسمعونه سماع قبول { وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءُوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن } ما { هذا } القرآن {إلا أساطير } أكاذيب { الأولين } كالأضاحيك...

وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [٢٦]

تفسير الأية 26: تفسير الجلالين

{ وهم ينهون } الناس { عنه } عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم { وينأون } يتباعدون { عنه } فلا يؤمنون به، وقيل: نزلت في أبي طالب كان ينهى عن أذاه ولا يؤمن به { وإن } ما { يهلكون } بالنأي عنه { إلا أنفسهم } لأن ضرره عليهم { وما يشعرون } بذلك .

وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [٢٧]

تفسير الأية 27: تفسير الجلالين

{ ولو ترى } يا محمد { إذ وُقفوا } عرضوا { على النار فقالوا يا } للتنبيه { ليتنا نردُّ } إلى الدنيا { ولا نكذِّبُ بآيات ربنا ونكونُ من المؤمنين } برفع الفعلين إستئنافا ونصبهما في جواب التمني ورفع الأول ونصب الثاني وجواب لو رأيت أمرا عظيما .

00:00