سورة الفرقان

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [١]

تفسير الأية 1: تفسير الجلالين

{ تبارك } تعالى { الذي نزَّل الفرقان } القرآن لأنه فرق بين الحق والباطل { على عبده } محمد { ليكون للعاملين } الإنس والجن دون الملائكة { نذيرا } مخوّفا من عذاب الله .

الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [٢]

تفسير الأية 2: تفسير الجلالين

{ الذي له ملك السماوات والأرض، ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء } من شأنه أن يخلق { فقدره تقديرا } سواه تسوية .

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا [٣]

تفسير الأية 3: تفسير الجلالين

{ واتخذوا } أي الكفار { من دونه } أي الله أي غيره { آلهة } هي الأصنام { لا يَخلقون شيئاً وهم يُخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا } أي دفعه { ولا نفعا } أي جره { ولا يملكون موتا ولا حياةً } أي إماتة لأحد وإحياء لأحد { ولا نشورا } أي بعثا للأموات .

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا [٤]

تفسير الأية 4: تفسير الجلالين

{ وقال الذين كفروا إن هذا } أي ما القرآن { إلا إفك } كذب { افتراه } محمد { وأعانه عليه قوم آخرون } وهم من أهل الكتاب، قال تعالى: { فقد جاءُوا ظلما وزورا } كفرا وكذبا: أي بهما.

وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [٥]

تفسير الأية 5: تفسير الجلالين

{ وقالوا } أيضا هو { أساطير والأولين } أكاذيبهم: جمع أسطورة بالضم { اكتتبها } انتسخها من ذلك القوم بغيره { فهي تملى } تقرأ { عليه } ليحفظها { بكرة وأصيلاً } غدوة وعشيا قال تعالى ردا عليهم .

قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [٦]

تفسير الأية 6: تفسير الجلالين

{ قل أنزله الذي يعلم السرَّ } الغيب { في السماوات والأرض إنه كان غفورا } للمؤمنين { رحيما } بهم .

وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا [٧]

تفسير الأية 7: تفسير الجلالين

{ وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا } هلا { أنزل إليه ملك أو جاء معه نذيرا } يصدقه .

أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا [٨]

تفسير الأية 8: تفسير الجلالين

{ أو يُلقى إليه كنز } من السماء ينفقه، ولا يحتاج إلى المشي في الأسواق لطلب المعاش { أو تكون له جنة } بستان { يأكل منها } أي من ثمارها فيكتفي بها وفي قراءة نأكل بالنون: أي نحن فيكون له مزية علينا بها { وقال الظالمون } أي الكافرون للمؤمنين { إن } ما { تتبعون إلا رجلا مسحورا } مخدوعا مغلوبا على...

انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا [٩]

تفسير الأية 9: تفسير الجلالين

{ أنظر كيف ضربوا لك الأمثال } بالمسحور، والمحتاج إلى ما ينفقه وإلى ملك يقوم معه بالأمر { فضلوا } بذلك عن الهدى { فلا يستطيعون سبيلا } طريقا إليه .

تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا [١٠]

تفسير الأية 10: تفسير الجلالين

{ تبارك } تكاثر خير { الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك } الذي قالوه من الكنز والبستان{ جناتٍ تجري من تحتها الأنهار } أي في الدنيا لأنه شاء أن يعطيه إياها في الآخرة { ويجعلْ } بالجزم { لك قصورا } أيضا، وفي قراءة بالرفع استئنافا .

بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا [١١]

تفسير الأية 11: تفسير الجلالين

{ بل كذَّبوا بالساعة } القيامة { وأعتدنا لمن كذَّب بالساعة سعيرا } نارا مسعرة: أي مشتدة .

إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا [١٢]

تفسير الأية 12: تفسير الجلالين

{ إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا } غليانا كالغضبان إذا غلى صدره من الغضب { وزفيرا } صوتا شديدا، أو سماع التغيظ رؤيته وعلمه .

وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا [١٣]

تفسير الأية 13: تفسير الجلالين

{ وإذا أُلقوا منها مكانا ضيقا } بالتشديد والتخفيف بأن يضيق عليهم ومنها حال من مكانا لأنه في الأصل صفة له { مقُرَّنين } مصفدين قد قرنت: أي جمعت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال والتشديدُ للتكثير { دعوا هنالك ثبورا } هلاكا فيقال لهم .

لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا [١٤]

تفسير الأية 14: تفسير الجلالين

{ لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا } كعذابكم .

قُلْ أَذَٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا [١٥]

تفسير الأية 15: تفسير الجلالين

{ قل أذلك } المذكور من الوعيد وصفة النار { خير أم جنة الخلد التي وعد } ها { المتقون كانت لهم } في علمه تعالى { جزاءً } ثوابا { ومصيرا } مرجعا .

لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا [١٦]

تفسير الأية 16: تفسير الجلالين

{ لهم فيها ما يشاءُون خالدين } حال لازمة { كان } وعدهم ما ذكر { على ربك وعدا مسؤولا } يسأله من وعد به (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك) أو تسأله لهم الملائكة (ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم) .

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَٰؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ [١٧]

تفسير الأية 17: تفسير الجلالين

{ ويوم نحشرهم } بالنون والتحتانية { وما يعبدون من دون الله } أي غيره من الملائكة وعيسى وعزير والجن { فيقول } تعالى بالتحتانية والنون للمعبودين إثباتا للحجة على العابدين: { أأنتم } بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا وتسهيلها وإدخال ألف بين الُسهَلة والأخرى وتركه { أضْللْتم عبادي هؤلاء } أوقعتموهم...

قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا [١٨]

تفسير الأية 18: تفسير الجلالين

{ قالوا سبحانك } تنزيها لك عما لا يليق بك { ما كان ينبغي } يستقيم { لنا أن نتخذ من دونك } أي غيرك { من أولياء } مفعول أول ومن زائدة لتأكيد النفي وما قبله الثاني فكيف نأمر بعبادتنا ؟ { ولكن متعتهم وآباءهم } من قبلهم بإطالة العمر وسعة الرزق { حتى نسوا الذكر } تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن { وكانوا...

فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [١٩]

تفسير الأية 19: تفسير الجلالين

{ فقد كذبوكم } أي كذب المعبودون العابدين { بما تقولون } بالفوقانية أنهم آلهة { فما يستطيعون } بالتحتانية والفوقانية: أي لا هم ولا أنتم { صرفا } دفعا للعذاب عنكم { ولا نصرا } منعا لكم منه { ومن يظلم } يشرك { منكم نُذقْه عذابا كبيرا } شديدا في الآخرة .

وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا [٢٠]

تفسير الأية 20: تفسير الجلالين

{ وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق } فأنت مثلهم في ذلك، وقد قيل لهم مثل ما قيل لك { وجلنا بعضكم لبعض فتنة } بلية ابتلى الغني بالفقير والصحيح بالمريض، والشريف بالوضيع يقول الثاني في كلّ: ما لي لا أكون كالأول في كلّ: { أتصبرون } على ما تسمعون ممن ابتليتم بهم...

00:00