سورة الحجّ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [١]

تفسير الأية 1: تفسير الجلالين

{ يا أيها الناس } أي أهل مكة وغيرهم { اتقوا ربكم } أي عقابه بأن تطيعوه { إنَّ زلزلة الساعة } أي الحركة الشديدة للأرض التي يكون بعدها طلوع الشمس من مغربها الذي هو قرب الساعة { شيء عظيم } في إزعاج الناس الذي هو نوع من العقاب .

يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُمْ بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [٢]

تفسير الأية 2: تفسير الجلالين

{ يوم ترَوْنها تذُهَلُ } بسببها { كل مرضعة } بالفعل { عما أرضعت } أي تنساه { وتضع كل ذات حمل } أي حبلى { حملها وترى الناس سكارى } من شدة الخوف { وما هم بسكارى } من الشراب { ولكن عذاب الله شديد } فهم يخافونه .

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ [٣]

تفسير الأية 3: تفسير الجلالين

ونزل في النضر بن الحارث وجماعته { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم } قالوا: الملائكة بنات الله ، والقرآن أساطير الأولين، وأنكروا البعث وإحياء من صار ترابا { ويتبع } في جداله { كل شيطان مريد } أي متمرد .

كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ [٤]

تفسير الأية 4: تفسير الجلالين

{ كتب عليه } قضي على الشيطان { أنه من تولاه } أي اتبعه { فأنه يضله ويهديه } يدعوه { إلى عذاب السعير } أي النار .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [٥]

تفسير الأية 5: تفسير الجلالين

{ يا أيها الناس } أي أهل مكة { إن كنتم في ريب } شك { من البعث فإنا خلقناكم } أي أصلكم آدم { من تراب ثم } خلقنا ذريته { من نطفة } منيّ { ثم من علقة } وهي الدم الجامد { ثم من مضغة } وهي لحمة قدر ما يمضغ { مخلقة } مصورة تامة الخلق { وغير مخلقة } أي غير تامة الخلق { لنبين لكم } كمال قدرتنا لتستدلوا...

ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [٦]

تفسير الأية 6: تفسير الجلالين

{ ذلك } المذكور من بدء خلق الإنسان إلى آخر إحياء الأرض { بأن } بسبب أن { الله هو الحق } الثابت الدائم { وأنه يحيى الموتى وأنه على كل شيء قدير } .

وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [٧]

تفسير الأية 7: تفسير الجلالين

{ وأن الساعة آتية لا ريب } شك { فيها وأن الله يبعث من في القبور } ونزل في أبي جهل .

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ [٨]

تفسير الأية 8: تفسير الجلالين

{ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى } معه { ولا كتاب منير } له نور معه .

ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ [٩]

تفسير الأية 9: تفسير الجلالين

{ ثانيَ عطفه } حال أي لاويَ عنقه تكبرا عن الإيمان والعطف الجانب عن يمين أو شمال { ليَضِلَّ } بفتح الياء وضمها { عن سبيل الله } أي دينه { له في الدنيا خزي } عذاب فقتل يوم بدر { ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق } أي الإحراق بالنار، ويقال له .

ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [١٠]

تفسير الأية 10: تفسير الجلالين

{ ذلك بما قدمت يداك } أي قدمته عبر عنه بهما دون غيرهما لأن أكثر الأفعال تزاول بهما { وأن الله ليس بظلام } أي بذي ظلم { للعبيد } فيعذبهم بغير ذنب .

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [١١]

تفسير الأية 11: تفسير الجلالين

{ ومن الناس من يعبد الله على حرف } أي شك في عبادته، شبه بالحالِّ على حرف جبل في عدم ثباته { فإن أصابه خير } صحة وسلامة في نفسه وماله { اطمأن به وإن أصابته فتنة } محنة وسقم في نفسه وماله { انقلب على وجهه } أي رجع إلى الكفر { خسر الدنيا } بفوات ما أمله منها { والآخرة } بالكفر { ذلك هو الخسران...

يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ [١٢]

تفسير الأية 12: تفسير الجلالين

{ يدعو } يعبد { من دون الله } من الصنم { ما لا يضره } إن لم يعبده { وما لا ينفعه } إن عبده { ذلك } الدعاء { هو الضلال البعيد } عن الحق .

يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ [١٣]

تفسير الأية 13: تفسير الجلالين

{ يدعو لمن } اللام زائدة { ضره } بعبادته { أقرب من نفعه } إن نفع بتخيله { لبئس المولى } هو أي الناصر { ولبئس العشير } الصاحب هو، وعقب ذكر الشاك بالخسران بذكر المؤمنين بالثواب في .

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [١٤]

تفسير الأية 14: تفسير الجلالين

{ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات } من الفروض والنوافل { جناتِ تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد } من إكرام من يعطيه وإهانة من يعصيه .

مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ [١٥]

تفسير الأية 15: تفسير الجلالين

{ من كان يظن أن لن ينصره الله } أي محمدا نبيه { في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب } بحبل { إلى السماء } أي سقف بيته يشدّه فيه وفي عنقه { ثم ليقطع } أي ليختنق به بأن يقطع نفسه من الأرض كما في الصحاح { فلينظر هل يُذهبن كيده } في عدم نصرة النبي { ما يغيظ } منها المعنى فليختنق غيظا منها فلا بد منها .

وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ [١٦]

تفسير الأية 16: تفسير الجلالين

{ وكذلك } أي مثل إنزالنا الآية السابقة { أنزلناه } أي القرآن الباقي { آيات بينات } ظاهرات حال { وأن الله يهدي من يريد } هداه معطوف على هاء أنزلناه .

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [١٧]

تفسير الأية 17: تفسير الجلالين

{ إن الذين آمنوا والذين هادوا } هم اليهود { والصابئين } طائفة منهم { والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة } بإدخال المؤمنين الجنة وإدخال غيرهم النار { إن الله على كل شيء } من عملهم { شهيد } عالم به علم مشاهدة

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [١٨]

تفسير الأية 18: تفسير الجلالين

{ ألم تر } تعلم { أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب } أي يخضع له بما يراد منه { وكثير من الناس } وهم المؤمنون بزيادة على الخضوع في سجود الصلاة { وكثير حق عليه العذاب } وهم الكافرون لأنهم أبوا السجود المتوقف على الإيمان { ومن يهن الله } يشقه {...

هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ [١٩]

تفسير الأية 19: تفسير الجلالين

{ هذان خصمان } أي المؤمنون خصم، والكفار الخمسة خصم، وهو يطلق على الواحد والجماعة { اختصموا في ربهم } أي في دينه { فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار } يلبسونها يعني أحيطت بهم النار { يصب من فوق رؤوسهم الحميم } الماء البالغ نهاية الحرارة .

يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ [٢٠]

تفسير الأية 20: تفسير الجلالين

{ يصهر } يذاب { به ما في بطونهم } من شحوم وغيرها { و } تشوى به { الجلود } .

وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [٢١]

تفسير الأية 21: تفسير الجلالين

{ ولهم مقامع من حديد } لضرب رؤوسهم .

كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [٢٢]

تفسير الأية 22: تفسير الجلالين

{ كلما أرادوا أن يخرجوا منها } أي النار { من غم } يلحقهم بها { أعيدوا فيها } ردوا إليها بالمقامع { و } قيل لهم { ذوقوا عذاب الحريق } أي البالغ نهاية الإحراق .

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ [٢٣]

تفسير الأية 23: تفسير الجلالين

وقال في المؤمنين { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ } بالجرّ أي منهما بأن يرصع اللؤلؤ بالذهب، وبالنصب عطفا على محل من أساور { ولباسهم فيها حرير } هو المحرَّم لبسه على الرجال في الدنيا .

00:00