سورة النحل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ [١]

تفسير الأية 1: تفسير الجلالين

لما استبطأ المشركون العذاب نزل: { أتى أمر الله } أي الساعة، وأتى بصيغة الماضي لتحقق وقوعه أي قرب { فلا تستعجلوه } تطلبوه قبل حينه فإنه واقع لا محالة { سبحانه } تنزيهاً له { وتعالى عما يشكرون } به غيره .

يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ [٢]

تفسير الأية 2: تفسير الجلالين

{ ينزل الملائكة } أي جبريل { بالروح } بالوحي { من أمره } بإرادته { على من يشاء من عباده } وهم الأنبياء { أن } مفسرة { أنذروا } خوفوا الكافرين بالعذاب وأعلموهم { أنه لا إله إلا أنا فاتقون } خافون .

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ [٣]

تفسير الأية 3: تفسير الجلالين

( خلق السماوات والأرض بالحق ) أي محقا ( تعالى عما يشركون ) به من الأصنام .

خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [٤]

تفسير الأية 4: تفسير الجلالين

( خلق الإنسان من نطفة ) مَنِيّ إلى أن صيره قويا شديداً ( فإذا هو خصيم ) شديد الخصومة ( مبين ) بينها في نفي البعث قائلاً "" من يحيي العظام وهي رميم "" .

وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ [٥]

تفسير الأية 5: تفسير الجلالين

{ والأنعام } الإبل والبقر والغنم، ونصبه بفعل مقدر يفسره { خلقها لكم } من جملة الناس { فيها دفءٌ } ما تستدفئون به من الأكسية والأردية من أشعارها وأصوافها { ومنافع } من النسل والدرّ والركوب { ومنها تأكلون } قدم الظرف للفاصلة .

وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ [٦]

تفسير الأية 6: تفسير الجلالين

{ ولكم فيها جمال } زينة { حين تريحون } تردونها إلى مراحها بالعشي { وحين تسرحون } تخرجونها إلى المرعى بالغداة .

وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [٧]

تفسير الأية 7: تفسير الجلالين

{ وتحمل أثقالكم } أحمالكم { إلى بلدٍ لم تكونوا بالغيه } واصلين على غير الإبل { إلا بشق الأنفس } بجهدها { إن ربكم لرءُوف رحيم } حيث خلقها لكم .

وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [٨]

تفسير الأية 8: تفسير الجلالين

{ و } خلق { الخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } مفعول له، والتعليل بهما بتعريف النعم لا ينافي خلقها لغير ذلك كالأكل في الخيل ، الثابت بحديث الصحيحين { ويخلق ما لا تعلمون } من الأشياء العجيبة الغريبة .

وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [٩]

تفسير الأية 9: تفسير الجلالين

{ وعلى الله قصد السبيل } أي بيان الطريق المستقيم { ومنها } أي السبيل { جائر } حائد عن الاستقامة { ولو شاء } هدايتكم { لهداكم } إلى قصد السبيل { أجمعين } فتهتدون إليه باختيار منكم.

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ [١٠]

تفسير الأية 10: تفسير الجلالين

{ هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب } تشربونه { ومنه شجر } ينبت بسببه { فيه تسيمون } ترعون دوابكم .

يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [١١]

تفسير الأية 11: تفسير الجلالين

{ ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك } المذكور { لآية } دالة على وحدانيته تعالى { لقوم يتفكرون } في صنعه فيؤمنون .

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [١٢]

تفسير الأية 12: تفسير الجلالين

{ وسخَّر لكم الليل والنهار والشمس } بالنصب عطفاً على ما قبله والرفع مبتدأ { والقمر والنجوم } بالوجهين { مسخرات } بالنصب حال والرفع خبر { بأمره } بإرادته { إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون } يتدبرون .

وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ [١٣]

تفسير الأية 13: تفسير الجلالين

{ و } سخر لكم { ما ذرَأ } خلق { لكم في الأرض } من الحيوان والنبات وغير ذلك { مختلفاً ألوانه } كأحمر وأصفر وأخضر وغيرها { إن في ذلك لآية لقوم يذكَّرون } يتعظون .

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [١٤]

تفسير الأية 14: تفسير الجلالين

{ وهو الذي سخَّر البحر } ذلله لركوبه والغوص فيه { لتأكلوا منه لحماً طرياً } هو السمك { وتستخرجوا منه حليه تلبسونها } هي اللؤلؤ والمرجان { وترى } تبصر { الفلك } السفن { مواخر فيه } تمخر الماء، أي تشقه يجريها فيه مقبلة ومدبرة بريح واحدة { ولتبتغوا } عطف على لتأكلوا، تطلبوا { من فضله } تعالى...

وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [١٥]

تفسير الأية 15: تفسير الجلالين

{ وألقى في الأرض رواسي } جبالاً ثوابت لـ { أن } لا { تميد } تتحرك { بكم و } جعل فيها { أنهاراً } كالنيل { وسبلاً } طرقاً { لعلكم تهتدون } إلى مقاصدكم .

وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [١٦]

تفسير الأية 16: تفسير الجلالين

{ وعلامات } تستدلون بها على الطرق كالجبال بالنهار { وبالنجم } بمعنى النجوم { هم يهتدون } إلى الطرق والقبلة بالليل .

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [١٧]

تفسير الأية 17: تفسير الجلالين

{ أفمن يخلق } وهو الله { كمن لا يخلق } وهو الأصنام حيث تشركونها معه في العبادة ؟ لا { أفلا تذكرون } هذا فتؤمنون .

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [١٨]

تفسير الأية 18: تفسير الجلالين

{ وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها } تضبطوها فضلاً أن تطيقوا شكرها { إن الله لغفور رحيم } حيث ينعم عليكم مع تقصيركم وعصيانكم .

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [١٩]

تفسير الأية 19: تفسير الجلالين

{ والله يعلم ما تسرون وما تعلنون } .

وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ [٢٠]

تفسير الأية 20: تفسير الجلالين

{ والذين تدعون } بالتاء والياء تعبدون { من دون الله } وهم الأصنام { لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون } يصورون من الحجارة وغيرها .

أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [٢١]

تفسير الأية 21: تفسير الجلالين

{ أموات } لا روح فيه خبر ثان { غير أحياء } تأكيد { وما يشعرون } أي الأصنام { أيان } وقت { يبعثون } أي الخلق فكيف يعبدون، إذ لا يكون إلهاً إلا الخالق الحي العالم بالغيب .

إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ [٢٢]

تفسير الأية 22: تفسير الجلالين

{ إلهكم } المستحق للعبادة منكم { إله واحد } لا نظير له في ذاته ولا في صفاته وهو الله تعالى { فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة } جاحدة للوحدانية { وهم مستكبرون } متكبرون عن الإيمان بها .

لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ [٢٣]

تفسير الأية 23: تفسير الجلالين

{ لا جرم } حقا { أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون } فيجازيهم بذلك { إنه لا يحب المستكبرين } بمعنى أنه يعاقبهم .

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [٢٤]

تفسير الأية 24: تفسير الجلالين

ونزل في النضر بن الحارث { وإذا قيل لهم ما } استفهامية { ذا } موصولة { أنزل ربكم } على محمد { قالوا } هو { أساطير } أكاذيب { الأولين } إضلالاً للناس .

لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [٢٥]

تفسير الأية 25: تفسير الجلالين

{ ليحملوا } في عاقبة الأمر { أوزارهم } ذنوبهم { كاملة } لم يُكفَّر منها شيء { يوم القيامة ومن } بعض { أوزار الذين يضلونهم بغير علم } لأنهم دعوهم إلى الضلال فاتبعوهم فاشتركوا في الإثم { ألا ساء } بئس { ما يزرون } يحملونه حملهم هذا .

قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ [٢٦]

تفسير الأية 26: تفسير الجلالين

{ قد مكر الذين من قبلهم } وهو نمروذ بنى صرحاً طويلا ليصعد منه إلى السماء ليقاتل أهلها { فأتى اللهُ } قصد { بنيانهم من القواعد } الأساس فأرسل عليه الريح والزلزلة فهدمته { فخر عليهم السقف من فوقهم } أي هم تحته { وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون } من جهة لا تخطر ببالهم وقيل هذا تمثيل لإفساد ما أبرموه...

00:00