سورة الحجرات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [١]

تفسير الأية 1: تفسير الجلالين

{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا } من قدم بمعنى تقدم، أي لا تَقَدَّمُوا بقول ولا فعل { بين يدي الله ورسوله } المبلغ عنه، أي بغير إذنهما { واتقوا الله إن الله سميع } لقولكم { عليم } بفعلكم، نزلت في مجادلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما عند النبي صلى الله عليه وسلم في تأمير الأقرع بن حابس أو القعقاع بن...

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [٢]

تفسير الأية 2: تفسير الجلالين

{ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم } إذا نطقتم { فوق صوت النبي } إذا نطق { ولا تجهروا له بالقول } إذا ناجيتموه { كجهر بعضكم لبعض } بل دون ذلك إجلالا له { أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون } أي خشية ذلك بالرفع والجهر المذكورين، ونزل فيمن كان يخفض صوته عند النبي صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر...

إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [٣]

تفسير الأية 3: تفسير الجلالين

{ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن } اختبر { الله قلوبهم للتقوى } أي لتظهر منهم { لهم مغفرة وأجر عظيم } الجنة، ونزل في قوم جاءُوا وقت الظهيرة والنبي صلى الله عليه وسلم في منزله فنادوه .

إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [٤]

تفسير الأية 4: تفسير الجلالين

{ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات } حجرات نسائه صلى الله عليه وسلم جمع حجرة وهي ما يحجر عليه من الأرض بحائط ونحوه، وكان كل واحد منهم نادى خلف حجرة لأنهم لم يعلموه في أي حجرة مناداة الأعراب بغلظة وجفاء { أكثرهم لا يعقلون } فيما فعلوه محلَّك الرفيع وما يناسبه من التعظيم .

وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [٥]

تفسير الأية 5: تفسير الجلالين

{ ولو أنهم صبروا } أنهم في محل رفع بالابتداء، وقيل فاعل لفعل مقدر، أي ثبت { حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم } لمن تاب منهم، ونزل في الوليد بن عقبة وقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق مصدقا فخافهم لترة كانت بينه وبينهم في الجاهلية فرجع وقال إنهم منعوا الصدقة وهموا بقتله،...

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [٦]

تفسير الأية 6: تفسير الجلالين

{ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ } خبر { فتبينوا } صدقه من كذبه، وفي قراءة فتثبتوا من الثبات { أن تصيبوا قوما } مفعول له، أي خشية ذلك { بجهالة } حال من الفاعل، أي جاهلين { فتصبحوا } تصيروا { على ما فعلتم } من الخطأ بالقوم { نادمين } وأرسل صلى الله عليه وسلم إليهم بعد عودهم إلى بلادهم...

وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [٧]

تفسير الأية 7: تفسير الجلالين

{ واعلموا أن فيكم رسول الله } فلا تقولوا الباطل فإن الله يخبره بالحال { لو يطيعكم في كثير من الأمر } الذي تخبرون به على خلاف الواقع فيرتب على ذلك مقتضاه { لعنتُّم } لأثمتم دونه إثم التسبب إلى المرتب { ولكن الله حبَّب إليكم الإيمان وزينه } حسنه { في قلوبكم وكرَّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان }...

فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [٨]

تفسير الأية 8: تفسير الجلالين

{ فضلا من الله } مصدر منصوب بفعله المقدر، أي أفضل { ونعمة } منه { والله عليم } بهم { حكيم } في إنعامه عليهم .

وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [٩]

تفسير الأية 9: تفسير الجلالين

{ وإن طائفتان من المؤمنين } الآية، نزلت في قضية هي أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارا ومر على ابن أبيّ فبال الحمار فسد ابن أبيّ أنفه فقال ابن رواحة: والله لبول حماره أطيب ريحا من مسكك فكان بين قوميهما ضرب بالأيدي والنعال والسعف { اقتتلوا } جمع نظرا إلى المعنى لأن كل طائفة جماعة، وقرئ اقتتلتا {...

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [١٠]

تفسير الأية 10: تفسير الجلالين

{ إنما المؤمنون إخوة } في الدين { فأصلحوا بين أخويكم } إذا تنازعا، وقرئ إخوتكم بالفوقانية { واتقوا الله لعلكم ترحمون } .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [١١]

تفسير الأية 11: تفسير الجلالين

{ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر } الآية، نزلت في وفد تميم حين سخروا من فقراء المسلمين كعمار وصهيب، والسخرية: الازدراء والاحتقار { قوم } أي رجال منكم { من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم } عند الله { ولا نساء } منكم { من نساءٍ عسى أن يكنَّ خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم } لا تعيبوا فتعابوا، أي لا يعب بعضكم...

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [١٢]

تفسير الأية 12: تفسير الجلالين

{ يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم } أي مؤثم وهو كثير كظن السوء بأهل الخير من المؤمنين، وهم كثير بخلافه بالفساق منهم فلا إثم فيه في نحو يظهر منهم { ولا تجسسوا } حذف منه إحدى التاءين لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم بالبحث عنها { ولا يغتب بعضكم بعضا } لا يذكره بشيء يكرهه...

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [١٣]

تفسير الأية 13: تفسير الجلالين

{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } آدم وحواء { وجعلناكم شعوبا } جمع شعب بفتح الشين هو أعلى طبقات النسب { وقبائل } هي دون الشعوب وبعدها العمائر ثم البطون ثم الأفخاذ ثم الفصائل آخرها، مثاله خزيمة: شعب، كنانة: قبيلة، قريش: عمارة بكسر العين، قُصي: بطن، هاشم: فخذ، العباس: فصيلة { لتعارفوا }...

قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [١٤]

تفسير الأية 14: تفسير الجلالين

{ قالت الأعراب } نفر من بني أسد { آمنا } صدقنا بقلوبنا { قل } لهم { لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } انقدنا ظاهرا { ولما } أي: لم { يدخل الإيمان في قلوبكم } إلى الآن لكنه يتوقع منكم { وإن تطيعوا الله ورسوله } بالإيمان وغيره { لا يَأْلِتْكُمْ } بالهمز وتركه وبإبداله ألفا: لا ينقصكم { من أعمالكم } أي...

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [١٥]

تفسير الأية 15: تفسير الجلالين

{ إنما المؤمنون } أي الصادقون في إيمانهم كما صرح به بعد { الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا } لم يشكوا الإيمان { وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } فجهادهم يظهر بصدق إيمانهم { أولئك هم الصادقون } في إيمانهم، لا من قالوا آمنا ولم يوجد منهم غير الإسلام .

قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [١٦]

تفسير الأية 16: تفسير الجلالين

{ قل } لهم { أتعلمون الله بدينكم } مضعف علم بمعنى شعر، أي أتُشْعِرونه بما أنتم عليه في قولكم آمنا { والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم } .

يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [١٧]

تفسير الأية 17: تفسير الجلالين

{ يمنون عليك أن أسلموا } من غير قتال بخلاف غيرهم ممن أسلم بعد قتاله منهم { قل لا تمنوا عليَّ إسلامكم } منصوب بنزع الخافض الباء ويقدر قبل أن في الموضعين { بل الله يمنُّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين } في قولكم آمنا .

إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [١٨]

تفسير الأية 18: تفسير الجلالين

{ إن الله يعلم غيب السماوات والأرض } أي ما غاب فيهما { والله بصير بما يعملون } بالياء والتاء لا يخفى عليه شيء منه .

00:00