سورة الأنفال

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [١]

تفسير الأية 1: تفسير الجلالين

{ يسألونك } يا محمد { عن الأنفال } الغنائم لمن هي { قل } لهم { الأنفال لله } يجعلها حيث يشاء { والرسول } يقسِّمها بأمر الله فقسَّمها صلى الله عليه وسلم بينهم على السواء، رواه الحاكم في المستدرك { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } أي حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع { وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم...

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [٢]

تفسير الأية 2: تفسير الجلالين

{ إنما المؤمنون } الكاملون الإيمان { الذين إذا ذكر الله } أي وعيده { وجلت } خافت { قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } تصديقا { وعلى ربهم يتوكلون } به يثقون لا بغيره .

الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [٣]

تفسير الأية 3: تفسير الجلالين

{ الذين يقيمون الصلاة } يأتون بها بحقوقها { ومما رزقناهم } أعطيناهم { ينفقون } في طاعة الله .

أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [٤]

تفسير الأية 4: تفسير الجلالين

{ أولئك } الموصوفون بما ذكر { هم المؤمنون حقا } صدقا بلا شك { لهم درجاتٌ } منازل في الجنة { عند ربهم ومغفرة ورزق كريم } في الجنة .

كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ [٥]

تفسير الأية 5: تفسير الجلالين

{ كما أخرجك ربُّك من بيتك بالحق } متعلق بأخرج { وإن فريقا من المؤمنين لكارهون } الخروج والجملة حال من كاف أخرجك وكما خبر مبتدأ محذوف أي هذه الحال في كراهتهم لها مثل إخراجك في حال كراهتهم وقد كان خيرا لهم فكذلك أيضا وذلك أن أبا سفيان قدم بعير من الشام فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليغنموها...

يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ [٦]

تفسير الأية 6: تفسير الجلالين

{ يجادلونك في الحق } القتال { بعد ما تبيَّن } ظهر لهم { كأنما يُساقون إلى الموت وهم ينظرون } إليه عيانا في كراهتهم له .

وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ [٧]

تفسير الأية 7: تفسير الجلالين

{ و } اذكر { إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين } العير أو النفير { أنها لكم وتودُّون } تريدون { أن غير ذات الشوكة } أي البأس والسلاح وهي العير { تكون لكم } لقلة عددها ومدَدها بخلاف النفير { ويريد الله أن يُحق الحق } يظهر { بكلماته } السابقة بظهور الإسلام { ويقطع دابر الكافرين } آخرهم بالاستئصال فأمركم...

لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [٨]

تفسير الأية 8: تفسير الجلالين

{ ليُحق الحق ويبطل } يمحق { الباطل } الكفر { ولو كره المجرمون } المشركون ذلك .

إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ [٩]

تفسير الأية 9: تفسير الجلالين

اذكر { إذ تستغيثون ربَّكم } تطلبون منه الغوث بالنصر عليهم { فاستجاب لكم أني } أي بأني { مُمدُّكم } معينكم { بألف من الملائكة مردفين } متتابعين يردف بعضهم بعضا وعدهم بها أوَّلا ثم صارت ثلاثة آلاف ثم خمسة كما في آل عمران وقرئ بآلُف كأفُلس جمع .

وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [١٠]

تفسير الأية 10: تفسير الجلالين

{ وما جعله الله } أي الإمداد { إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم } .

إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ [١١]

تفسير الأية 11: تفسير الجلالين

اذكر { إذ يُغشِّيكم النعاس أمنة } أمنا مما حصل لكم من الخوف { منه } تعالى { وَيُنَزِّلُ عليكم من السماء ماء ليطهركم به } من الأحداث والجنابات { ويذهب عنكم رجز الشيطان } وسوسته إليكم بأنكم لو كنتم على الحق ما كنتم ظمأى محدثين والمشركون على الماء { وليربط } يحبس { على قلوبكم } باليقين والصبر {...

إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [١٢]

تفسير الأية 12: تفسير الجلالين

{ إذ يوحي ربك إلى الملائكة } الذين أمد بهم المسلمين { أني } أي بأني { معكم } بالعون والنصر { فثبِّتوا الذين آمنوا } بالإعانة والتبشير { سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب } الخوف { فاضربوا فوق الأعناق } أي الرءوس { واضربوا منهم كل بنان } أي أطراف اليدين والرجلين فكان الرجل يقصد ضرب رقبة الكافر فتسقط...

ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [١٣]

تفسير الأية 13: تفسير الجلالين

{ ذلك } العذاب الواقع بهم { بأنهم شاقوا } خالفوا { الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب } له .

ذَٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ [١٤]

تفسير الأية 14: تفسير الجلالين

{ ذلكم } العذاب { فذوقوه } أيها الكفار في الدنيا { وأن للكافرين } في الآخرة { عذاب النار } .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ [١٥]

تفسير الأية 15: تفسير الجلالين

{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا } أي مجتمعين كأنهم لكثرتهم يزحفون { فلا تولُّوهم الأدبار } منهزمين .

وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [١٦]

تفسير الأية 16: تفسير الجلالين

{ ومن يولهم يومئذ } أي يوم لقائهم { دُبُرَهُ إلا متحرفا } منعطفا { لقتال } بأن يريهم الغرَّة مكيدة وهو يريد الكرَّة { أو متحيزا } منضما { إلى فئة } جماعة من المسلمين يستنجد بها { فقد باء } رجع { بغضب من الله ومأواه جنهم وبئس المصير } المرجع هي وهذا مخصوص بما لم يزد الكفار على الضعف .

فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [١٧]

تفسير الأية 17: تفسير الجلالين

{ فلم تقتلوهم } ببدر بقوتكم { ولكنَّ الله قتلهم } بنصره إيّاكم { وما رميت } يا محمد لأعين القوم { إذ رميت } بالحصى لأن كفا من الحصى لا يملأ عيون الجيش الكثير برمية بشر { ولكنَّ الله رمى } بإيصال ذلك إليهم فعل ذلك ليقهر الكافرين { وليبلي المؤمنين منه بلاءً } عطاء { حسنا } هو الغنيمة { إن الله سميع...

ذَٰلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ [١٨]

تفسير الأية 18: تفسير الجلالين

{ ذلكم } الإبلاء حق { وأن الله موهنُ } مضعف { كيد الكافرين } .

إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [١٩]

تفسير الأية 19: تفسير الجلالين

{ إن تستفتحوا } أيها الكفار إن تطلبوا الفتح أي القضاء حيث قال أبو جهل منكم: اللهم أينا كان أقطع للرحمن وأتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة أي أهلكه { فقد جاءكم الفتح } القضاء بهلاك من هو كذلك وهو أبو جهل ومن قتل معه دون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين { وإن تنتهوا } عن الكفر والحرب { فهو خير لكم...

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ [٢٠]

تفسير الأية 20: تفسير الجلالين

{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولَّوْا } تعرضوا { عنه } بمخالفة أمره { وأنتم تسمعون } القرآن والمواعظ .

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ [٢١]

تفسير الأية 21: تفسير الجلالين

{ ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون } سماع تدبر واتعاظ وهم المنافقون أو المشركون .

إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ [٢٢]

تفسير الأية 22: تفسير الجلالين

{ إن شرَّ الدواب عند الله الصمٌّ } عن سماع الحق { البكم } عن النطق به { الذين لا يعقلونـ } ـه .

وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [٢٣]

تفسير الأية 23: تفسير الجلالين

{ ولو علم الله فيهم خيرا } صلاحا بسماع الحق { لأسمعهم } سماع تفهم { ولو أسمعهم } فرضا وقد علم أن لا خير فيهم { لتوَّلوا } عنه { وهم معرضون } عن قبوله عنادا وجحودا .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [٢٤]

تفسير الأية 24: تفسير الجلالين

{ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول } بالطاعة { إذا دعاكم لما يحييكم } من أمر الدين أنه سبب الحياة الأبدية { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإرادته { وأنه إليه تُحشرون } فيجازيكم بأعمالكم .

وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [٢٥]

تفسير الأية 25: تفسير الجلالين

{ واتقوا فتنة } إن أصابتكم { لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصة } بل تعمهم وغيرهم واتقاؤها بإنكار موجبها من المنكر { واعلموا أن الله شديد العقاب } لمن خالفه .

00:00