سورة الأنبياء

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [١]

تفسير الأية 1: تفسير الجلالين

{ اقترب } قرب { للناس } أهل مكة منكري البعث { حسابهم } يوم القيامة { وهم في غفلة } عنه { معرضون } عن التأهب له بالإيمان .

مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ [٢]

تفسير الأية 2: تفسير الجلالين

{ ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } شيئاً فشيئاً أي لفظ قرآن { إلا استمعوه وهم يلعبون } يستهزئون .

لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ [٣]

تفسير الأية 3: تفسير الجلالين

{ لاهية } غافلة { قلوبهم } عن معناه { وأسَرُّوا النجوى } الكلام { الذين ظلموا } بدل من واو { وأسروا النجوى الذين ظلموا } { هلْ هذا } أي محمد { إلا بشر مثلكم } فما يأتي به سحر { أفتأتون السحر } تتبعونه { وأنتم تبصرون } تعلمون أنه سحر .

قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [٤]

تفسير الأية 4: تفسير الجلالين

{ قال } لهم { ربي يعلم القول } كائناً { في السماء والأرض وهو السميع } لما أسروه { العليم } به .

بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ [٥]

تفسير الأية 5: تفسير الجلالين

{ بل } للانتقال من غرض إلى آخر في المواضع الثلاثة { قالوا } فيما أتى به من القرآن هو { أضغاث أحلام } أخلاط رآها في النوم { بل افتراه } اختلقه { بل هو شاعر } فما أتى به شعر { فليأتنا بآية كما أرسل الأولون } كالناقة والعصا واليد قال تعالى :

مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ [٦]

تفسير الأية 6: تفسير الجلالين

{ ما آمنت قبلهم من قرية } أي أهلها { أهلكناها } بتكذيبها ما أتاها من الآيات { أفهم يؤمنون } لا .

وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [٧]

تفسير الأية 7: تفسير الجلالين

{ وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي } وفي قراءة بالياء وفتح الحاء { إليهم } لا ملائكة { فاسألوا أهل الذكر } العلماء بالتوراة والإنجيل { إن كنتم لا تعلمون } ذلك فإنهم يعلمونه، وأنتم إلى تصديقهم أقرب من تصديق المؤمنين بمحمد .

وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ [٨]

تفسير الأية 8: تفسير الجلالين

{ وما جعلناهم } أي الرسل { جسداً } بمعنى أجساداً { لا يأكلون الطعام } بل يأكلونه { وما كانوا خالدين } في الدنيا .

ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ [٩]

تفسير الأية 9: تفسير الجلالين

{ ثم صدقناهم الوعد } بإنجائهم { فأنجيناهم ومن نشاء } المصدقين لهم { وأهلكنا المسرفين } المكذبين لهم .

لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [١٠]

تفسير الأية 10: تفسير الجلالين

لقد أنزلنا إليكم } يا معشر قريش { كتاباً فيه ذكركم } لأنه بلغتكم { أفلا تعقلون } فتؤمنون به .

وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ [١١]

تفسير الأية 11: تفسير الجلالين

{ وكم قصمنا } أهلكنا { من قرية } أي أهلها { كانت ظالمة } كافرة { وأنشأنا بعدها قوماً آخرين } .

فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ [١٢]

تفسير الأية 12: تفسير الجلالين

{ فلما أحسُّوا بأسنا } شعر أهل القرية بالإهلاك { إذا هم منها يركضون } يهربون مسرعين .

لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ [١٣]

تفسير الأية 13: تفسير الجلالين

فقالت لهم الملائكة استهزاء { لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم } نعمتم { فيه ومساكنكم لعلكم تسألون } شيئاً من دنياكم على العادة .

قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [١٤]

تفسير الأية 14: تفسير الجلالين

{ قالوا يا } للتنبيه { ويلنا } هلاكنا { إنا كنا ظالمين } بالكفر .

فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ [١٥]

تفسير الأية 15: تفسير الجلالين

{ فما زالت تلك } الكلمات { دعواهم } يدعون بها ويرددونها { حتى جعلناهم حصيداً } كالزرع المحصود بالمناجل بأن قتلوا بالسيف { خامدين } ميتين كخمود النار إذا طفئت .

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ [١٦]

تفسير الأية 16: تفسير الجلالين

{ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين } عابثين بل دالين على قدرتنا ونافعين عبادنا .

لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ [١٧]

تفسير الأية 17: تفسير الجلالين

{ لو أردنا أن نتخذ لهواً } ما يلهى به من زوجة أو ولد { لاتخذناه من لدنا } من عندنا من الحور العين والملائكة { إن كنا فاعلين } ذلك، لكنا لم نفعله فلم نُرده .

بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [١٨]

تفسير الأية 18: تفسير الجلالين

{ بل نقذف } نرمي { بالحق } الإيمان { على الباطل } الكفر { فيدمغه } يذهبه { فإذا هو زاهق } ذاهب، ودمغه في الأصل: أصاب دماغه بالضرب وهو مقتل { ولكم } يا كفار مكة { الويْل } العذاب الشديد { مما تصفون } الله به من الزوجة أو الولد .

وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ [١٩]

تفسير الأية 19: تفسير الجلالين

{ وله } تعالى { من في السماوات والأرض } ملكاً { ومن عنده } أي الملائكة مبتدأ خبره { لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون } لا يعيون .

يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ [٢٠]

تفسير الأية 20: تفسير الجلالين

{ يسبحون الليل والنهار لا يفترون } عنه فهو منهم كالنفس منا لا يشغلنا عنه شاغل .

أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ [٢١]

تفسير الأية 21: تفسير الجلالين

{ أم } بمعني بل للانتقال والهمزه للإنكار { اتخذوا آلهة } كائنة { من الأرض } كحجر وذهب وفضة { هم } أي الآلهة { ينشرون } أي يحيون الموتى ؟ لا، ولا يكون إلهاً إلا من يحيي الموتى .

لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ [٢٢]

تفسير الأية 22: تفسير الجلالين

{ لو كان فيهما } أي السماوات والأرض { آلهة إلا الله } أي غيره { لفسدتا } أي خرجتا عن نظامهما المشاهد، لوجود التمانع بينهم على وفق العادة عند تعدد الحاكم من التمانع في الشيء وعدم الاتفاق عليه { فسبحان } تنزيه { الله رب } خالق { العرش } الكرسي { عما يصفون } الكفار الله به من الشريك له وغيره .

لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [٢٣]

تفسير الأية 23: تفسير الجلالين

{ لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون } عن أفعالهم .

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَٰذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ [٢٤]

تفسير الأية 24: تفسير الجلالين

{ أم اتخذوا من دونه } تعالى أي سواه { آلهة } فيه استفهام توبيخ { قل هاتوا برهانكم } على ذلك ولا سبيل إليه { هذا ذكر من معي } أمتي وهو القرآن { وذكر من قبلي } من الأمم وهو التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله ليس في واحد منها أن مع الله إلهاً مما قالوا، تعالى عن ذلك { بل أكثرهم لا يعلمون الحق }...

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [٢٥]

تفسير الأية 25: تفسير الجلالين

{ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي } وفي قراءة بالياء وفتح الحاء { إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } أي وحدوني .

وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ [٢٦]

تفسير الأية 26: تفسير الجلالين

{ وقالوا اتخذ الرحمن ولداً } من الملائكة { سبحانه بل } هم { عباد مكرمون } عنده والعبودية تنافي الولادة .

لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [٢٧]

تفسير الأية 27: تفسير الجلالين

{ لا يسبقونه بالقول } لا يأتون بقولهم إلا بعد قوله { وهم بأمره يعملون } أي بعده .

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [٢٨]

تفسير الأية 28: تفسير الجلالين

{ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } ما عملوا وما هم عاملون { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } تعالى أن يشفع له { وهم من خشيته } تعالى { مشفقون } خائفون.

وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَٰهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [٢٩]

تفسير الأية 29: تفسير الجلالين

{ ومن يقل منهم إني إله من دونه } أي الله أي غيره، وهو إبليس دعا إلى عبادة نفسه وأمر بطاعتها { فذلك نجزيه جهنم كذلك } كما نجريه { نجزي الظالمين } المشركين .

أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ [٣٠]

تفسير الأية 30: تفسير الجلالين

{ أوَلم } بواو وتركها { يرَ } يعلم { الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رَتقاً } سدا بمعنى مسدودة { ففتقناهما } جعلنا السماء سبعاً والأرض من سبعاً، أو فتق السماء أن كانت لا تمطر فأمطرت، وفتق الأرض أن كانت لا تنبت فأنبتت { وجعلنا من الماء } النازل من السماء والنابع من الأرض { كل شيء حي } من نبات...

وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [٣١]

تفسير الأية 31: تفسير الجلالين

{ وجعلنا في الأرض رواسي } جبالاً ثوابت لـ { أن } لا { تميد } تتحرك { بهم وجعلنا فيها } الرواسي { فجاجاً } مسالك { سبلاً } بدل، طرقاً نافذة واسعة { لعلهم يهتدون } إلى مقاصدهم في الأسفار .

وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ [٣٢]

تفسير الأية 32: تفسير الجلالين

{ وجلعنا السماء سقفاً } للأرض كالسقف للبيت { محفوظاً } عن الوقوع { وهم عن آياتها } من الشمس والقمر والنجوم { معرضون } لا يتفكرون فيها فيعلمون أن خالقها لا شريك له .

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [٣٣]

تفسير الأية 33: تفسير الجلالين

{ وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل } تنوينه عوض عن المضاف إليه من الشمس والقمر وتابعه وهو النجوم { في فلك } مستدير كالطاحونة في السماء { يسبحون } يسيرون بسرعة كالسابح في الماء، وللتشبيه به أتى بضمير جمع من يعقل .

وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [٣٤]

تفسير الأية 34: تفسير الجلالين

ونزل لما قال الكفار إنَّ محمداً سيموت: { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } البقاء في الدنيا { أفإن مت فهم الخالدون } فيها ؟ لا، فالجملة الأخيرة محل الاستفهام الإنكاري .

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [٣٥]

تفسير الأية 35: تفسير الجلالين

{ كل نفس ذائقة الموت } في الدنيا { ونبلوكم } نختبركم { بالشر والخير } كفقر وغنى وسقم وصحة { فتنة } مفعول له، أي لننظر أتصبرون وتشكرون أم لا { وإلينا ترجعون } فنجازيكم .

00:00